- بكل وقاحة وعيون زجاجية وإعدام للذاكرة يغير الكثير من السياسيين والمحللين خطابهم ، ويشعرون أن بمستطاعهم التعامل مع اللبنانيين وفق معادلة ذاكرة السمك التي لا تحتفظ بالمعلومات لأكثر من ثلاثة شهور ، فقبل ثلاثة شهور ، وتحديدا في 9-9-2020 أصدر الأميركيون عقوبات بحق الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس ، وسمعنا عشرات الشخصيات وقرأنا في لبنان والخارج مئات التعليقات ، وكلها جاءت تحت عنوانين إثنين سمعناهما مجددا مع العقوبات التي طالت لاحقا الوزير السابق جبران باسيل ، ومصدر الكلام المقال معطوفا على زيارة الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون ، شخصيات موزعة على ضفتي الإشتباك السياسي الداخلي ، وصولا لمن يصنفون أنفسهم على يسار كل التشكيلة السياسية بما فيها قوى المقاومة ، ومضمون الكلام المقال أن العقوبات الأميركية على الوزيرين خليل وفنيانوس هي التي دفعت برئيس مجلس النواب لقبول المشروع الأميركي للتفاوض مع كيان الإحتلال على ترسيم الحدود البحرية ، وأن العقوبات على الوزير باسيل أكملت الطوق على رئيس الجمهورية للهدف ذاته ، وأن المقاومة مطوقة بحليفيها المعاقبين ساومت على موقفها المبدئي بحسابات لبنانية وطائفية صغيرة ، وقبلت ما وصفوه بتعبيرات تطبيعية تنسجم مع ما يجري في المنطقة ، وخصوصا في الخليج .
- تكرر الأمر في المشهد الحكومي ، فسمعنا ذات الشخصيات أو سواها ، تعلق على زيارة الرئيس الفرنسي وما رافقها بالقول ، أن العصا الفرنسية فرضت إنضباطا من نوع مختلف على السياسيين ، وان مرحلة جديدة بدأت مع حضور هذه العصا ، وكثرت التعابير من نوع وقفوا بالصف ، وهددهم ماكرون ، وها هم لا يسيرون الا بالعصا ، ولا تحركهم الا الأوامر ، والحكومة ستبصر النور بالشروط الفرنسية ، وعادت نغمات الأم الحنون تتصدر خطابات الكثيرين ، وعادت باريس مربط خيلنا ، وعندما فشلت مهمة الرئيس المكلف مصطفى أديب بتشكيل الحكومة ، وبدا الرئيس الحريري في الواجهة تموضعت النغمة على نوتة جديدة ، أن البروفة الفرنسية مع أديب كانت مجرد تمهيد للنص الأصلي مع الحريري .
- خلال ثلاثة شهور احتضر المسعى الحكومي بنسختيه الأديبية والحريرية ، فقالوا أن الأميركي الأشد سطوة وقدرة ليس مستعجلا على الحكومة ، ولأن في ذلك شيئ من الصحة ، فهو يجلبهم الى المقتلة الكاملة في الدعوة للإجابة عن سؤال وماذا عن المفاوضات ، ما دام مطلب الأميركيين ومشروعهم ، وهو امتداد لمشروعه التطبيعي ، وما دام المعنيون قد انضبطوا بالصف خوفا من العقوبات وسلموا للأميركي ما يريد هلعا ، وباعوا تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم ، فلماذا تتعثر ، وتتجمد ، والأميركي يعجز عن تحريكها ، والإسرائيلي يكشف سبب جمودها ، بالقول ان شروط لبنان التفاوضية وهو معاقب صارت عالية السقوف أكثر ؟
- المضحك والداعي للسخرية هو أن الكثير من أصحاب نظرية الإنبطاح تحت ضغط العقوبات ، وصمت المقاومة مراعاة للحسابات الطائفية ، بلعوا ألسنتهم عن تفسير الفشل التفاوضي وتفسير السقوف اللبنانية العالية تفاوضيا ، وهربوا مما قالوه سابقا ، وطبعا لم يكلف أحد منهم نفسه عناء ممارسة النزاهة الفكرية بمراجعة اقواله على اساس الوقائع الصارخة ، وبدأت تظهر تحليلات من نوع لا يستقيم مع نظرية الصاغرين أمام العقوبات ، تقول بأن حزب الله ومن ورائه إيران يمنعان الوصول لتفاهمات في عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، بعدما فسروا التفاوض بذعر إيراني شمل حزب الله من تهديدات ترامب فيما تبقى من ولايته ، وبعض التحليلات يقول ان حزب الله وإيران يمسكان كيان الإحتلال من يده التي توجعه وتمثلها الحاجة لبدء التنقيب .
- الأكثر إستدعاء للسخرية أن أحد أبرز الذين تندروا وتنمروا بالقول ان المقاومة وإيران قد باعا ملف التفاوض لترامب ضمن صفقة تراجع عن كلامه دون سابق إنذار ، وإستسهل رفع شعار تحرير لبنان من الوصاية الإيرانية للإنضمام الى ما يسميه يوميا بنظام المصلحة العربية المتمثل بالتطبيع ، دون أن يكلف نفسه عناء التفكير بأن يقدم لنا تفسيرا واحدا عن الإنسجام بين تبنيه قبل أسابيع نظرية الصفقة ونظرية الخشية من نظام العقوبات ، وعودته اليوم لنظرية الوصاية وحضور القوة ، لكن أشد التحليلات إضحاكا هو ما سمعناه على احدى قنوات الخليج من قيادي يساري سابق دائم الظهور "الثوري" على القنوات الخليجية بلغة عدائية للمقاومة ، عندما قال أن الأكاديميين اللبنانيين هم الذين منعوا التفريط بالحقوق اللبنانية ، مفسرا بذلك السقف التفاوضي الذي أحرج الذي ماتوا رعبا من العقوبات فسلموا للأمنيركي بما يريد ، فهزموا الأميركي أكاديميا ، واسقط بيد الإسرائيلي بالثورة الأكاديمية ، متجاهلا أن الفتح الأكاديمي الذي يتحدث عنه يعود لضباط الجيش اللبناني يتقدمهم العميد مازن بصبوص ويحمل توقيعي قائد الجيش ورئيس الجمهورية ومن خلفهما على الأقل حزب الله ، ولم يكن ينقص هذا المفكر العبقري الا رفع كأسه الإحتفالية هاتفا "عاش الأكاديميون ، نعم للمقاومة الأكاديمية لتحرير فلسطين وسائر المشرق" .
- اللي إستحوا ماتوا .
2020-12-14 | عدد القراءات 1581