تركيا وأوراق القوة بوجه أميركا ...فهل تفعل ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
تتعرض تركيا وفقا لإعتراف رئيسها رجب أردوغان وحكومته إلى أشد العقوبات الأميركية قسوة ، بما إستدعى القلق من انهيار غير مسبوق في سعر صرف العملة التركية ، وفي قلب الخلاف مع الكثير من السياسات التركية ، خصوصا الانخراط العدواني التركي ضد سورية المتمثل حتى اليوم باحتلال جزء من أراضيها ودعم الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تصيب وحدة سورية وأمنها في الصميم ، لا يمكن تجاهل ان العقوبات تأتي ردا على قرار تركي سيادي بحيازة منظومة صاروخية روسية للدفاع الجوي ، المعروفة بمنظومة الأس 400 ، والاوضح من سياق العقوبات الأميركية أنها أبعد من مجرد قرار لإدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب ، فهي تتزامن مع مشروع أوروبي للعقوبات بحق تركيا ، وبالتوازي مع مواقف لقيادة حلف الناتو تعتبر القرار التركي بحيازة المنظومة الصاروخية الروسية تهديدا لأمن الحلف ، وانتهاكا لشروط عضوية تركيا فيه .
يخرج أركان النظام التركي لتأكيد عدم التراجع أمام العقوبات ، ويتحدثون عن إجراءات تصعيدية سيتم إتباعها مع وضع العقوبات قيد التنفيذ ، ويذهب بعضهم الى منح مهلة حتى تسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم ، وافساح المجال أمامها للتراجع عن العقوبات ، للقول ان تركيا ستجعل اميركا تندم على فعلتها ، ويعلم المسؤولون الأتراك أن معركتهم ليست سهلة ولا ثانوية ، فتأثير العقوبات سيكون شديد القسوة على قطاعات الإقتصاد والحياة اليومية للأتراك ، والنظام التركي يقيم إستقراره السياسي في جانب رئيسي منه على نجاحات إقتصادية وإجتماعية ، وبالتوازي يعلم القادة الأتراك أن الرضوخ للعقوبات والتراجع في ملف المنظومة الصاروخية سيعني تموضعا تركيا تحت سقف المسموح أميركيا وغربيا ، وهذا سيرتب تراجعا تركيا في ملفات إقليمية عديدة منحت القيادة التركية مكانة ودورا ، تم تقديمها كتعبير عن وطنية تركية صاعدة ساهمت بصناعة الإستقرار الداخلي .
تركيا ليست روسيا ولا الصين ولا إيران ، الدول التي تقف على مسافة كاملة من الإستقلال عن المحور الذي تقوده واشنطن ، ولا هي مثل دول الخليج التي تنضبط كليا بالسياسات الأميركية ، ولأنها تقف في منتصف الطريق بين السياسات الأميركية وخصوم هذه السياسات ، تنضوي تحت مظلة الناتو فتستفيد وتفيد ، وتتميز عن أطراف الحلف فتستفيد من الخصوم وتفيدهم ، الى حد نجحت بتقديم موقعها كبيضة قبان في توازنات إقليمية عديدة من ليبيا الى سورية الى أذربيجان ، ولأنها في ملف شديد الحساسية الاقتصادية هو أنبوب الغاز الروسي الواصل الى اوروبا ، تقف في مواجهة المشروع الذي جمعت حوله واشنطن حلفاءها حوله بقيادة كيان الإحتلال لأنبوب منافس للأنبوب الروسي فإن اعادة تركيا الى حظيرة الولاء والطاعة تبدو أولوية أميركية اوروبية ، اذا نجحت تركيا بالتمرد عليها ستفتح الباب لتفكك الكثير من منظومات الهيمنة ، ويتوقف على النجاح مستقبل قيادة النظام التركي التي باتت مشروطة بالحفاظ على الاستقرار الإقتصادي من جهة ، والحفاظ على مكانة اللاعب الإقليمي الحاسم من جهة موازية .
ليس أمام تركيا الا أن تقوم بنقلة نوعية عكسية للسياسات العدوانية التي مارسها رئيسها خلال العقد الماضي ، وخصوصا من البوابة السورية ، فالإنتقال الى طي صفحة العداون على سورية وامتلاك شجاعة الإقدام على اعتبار القانون الدولي وسياسة حسن الجوار ومكافحة الإرهاب ، وإحترام السيادة ووحدة الأراضي على طرفي الحدود مع سورية ، هي قواعد حاكمة للعلاقة التركية السورية ، والإستجابة للمساعي الروسية الإيرانية لتطبيع العلاقات السورية التركية ، وهو التطبيع المعاكس لمسار التطبيع الخليجي الإسرائيلي ، بصفته التطبيع المنسجم مع سياسة الحق ومع معادلات الطبيعة والجغرافيا والتاريخ والقانون ، بل هو التطبيع الذي يؤسس لمقاومة منظومة التطبيع الخليجي الإسرائيلي ، على اساس الإنسحاب التركي من سورية وفك العلاقة بالتشكيلات الإرهابية ، ما سيعني تمكين تركيا من لعب دور حاسم في تشكيل حلف إقليمي سياسي إقتصادي أمني مدعوم من روسيا والصين يضم تركيا وإيران وسورية والعراق له حلفاء فاعلون في لبنان وفلسطين ، تكسب فيه تركيا أدوارا عبر حلفاء لها في كيانات عديدة في المنطقة ، حلف قادر على تشكيل نواة لمنظومة عالمية أوراسية تملك مقدرات الإكتفاء الذاتي ، وسوقا عملاقة ، ودورا إقليميا مقررا في معادلات البحار ، وهذا شرطه جهوزية القيادة التركية لفك الإرتباط بحلف الناتو بصورة ستجعل الغرب وعلى رأسه أميركا ومن خلفها كيان الإحتلال في موقع الخاسر الأكبر .
امتلاك شجاعة الإقدام وحدها قد تدفع الأميركيين ومن خلفهم الأوروبيين لإعادة النظر بالعقوبات ، وفي حال التراجع ستكون تركيا في وضعية الطرف الأقوى من موقع إستقلالها ، في معادلة العلاقة ، لكن شرط ذلك الإستعداد للذهاب بعيدا في قطع شرايين الإتصال بالناتو وكيان الإحتلال بالطبع ، فهل يتجرأ أردوغان أم يتراجع منضبطا بالأجندة الأميركية ، أم يبقى يلعب على الحبال بإنتظار تسويات كبرى روسية أميركية إيرانية ، سيكون فيها مجرد لاعب صغير ؟
2020-12-16 | عدد القراءات 1757