ما بين الرئاستين ...فرص متقابلة ومتضاربة للمبادرات نقاط على الحروف ناصر قنديل
خلال شهر فاصل بين نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس المنتخب جو بايدن ، تزدحم المواقف والتحليلات والإشارات نحو طبيعة المتغيرات ، وفيما يسود القلق من خطوات ومبادرات تصعيدية تفرض أمرا واقعا متفجرا يقطع الطريق على مناخات دبلوماسية تتصدر روزنامة الرئيس بايدن ، ويوضع في هذا السياق كمؤشر على المرحلة الحرجة قيام الموساد "الإسرائيلي" بإغتيال شيخ الملف النووي الإيراني العالم محسن فخري زادة ، ويصل البعض إلى الإعتقاد بفرضية وجود خطط لتصعيد أشد تورتا ربما تتخلله أعمال عسكرية وأمنية أشد خطورة تفتح الباب لتدرحج الأوضاع نحو فرضيات حرب .
في ظلال هذه الفرضيات ، تتقدم وقائع معاكسة تشير الى تعقيدات جدية تعترض طريق التصعيد ، سواء أراده الرئيس ترامب وفريقه ، وهذا ما يقوله المحضر المسرب في الصحف الأميركية عن إجتماعات شهدها البيت الأبيض لتقييم الخيارات الرئاسية بعد الإنتخابات ، وما تشير إليه من قيود تحكم ترامب على مستوى الجنرالات الذين يمسكون بآلة الأمن والجيش ، أو ما يمكن أن يذهب إليه رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو ، في ظل تجاذب حاد داخل المؤسسة الحاكمة وتفسخها وصولا لفرضيات الإنتخابات المبكرة ، والتحذيرات التي يطلقها العسكريون من مخاطر التورط في مغامرات مدمرة لحسابات ضيقة تفرضها أزمة نتنياهو ، ولا يستطيع الكيان تحمل تبعاتها .
رغم كل محاولات التخفيف من طبيعة التحولات القادمة بعد تسلم بايدن مقاليد الرئاسة ، وما بات واضحا لجهة تراجع المخاطر التي تنتظر هذا التسلم يوما بعد يوم ، تؤكد المواقف الصادرة عن بايدن وفريقه أن كل الطلبات الأميركية المرتبطة بالعلاقة مع روسيا والصين وإيران كخصوم على مستوى السياسة الدولية ، ستتم مقاربته من ضمن مؤسسة البدلوماسية ، التي تقوم وفقا لنظرية بايدن الموثقة في مقالته الشهيرة في الربيع الماضي في مجلة الفورين افيرز ، على ثلاثة ركائز ، الأولى إعادة تفعيل الإتفاقات القائمة ، الثانية إعتبار الأمم المتحدة إطارا مناسبا لخوض الصراع حول الخيارات بعد ترتيب التحالف الأميركي الأوروبي الذي تصدع بقعل الخروج الأميركي من الإتفاقات ، وخصوصا الإتفاق النووي مع إيران ، والثالثة هي إعادة تقديم النموذج الأميركي تحت سقف القانون الدولي والتركيز على إستعادة السياسة الأميركية لمكانتها على الساحة الدولية بصورة تخرجها من العزلة التي أوصلتها إليها سياسات ترامب ، وهذا يعني عمليا ومن خلال ما كشفته مناقشات مجلس الأمن الدولي حول الإتفاق النووي مع إيران ، أن أهم ما ستقوم به إدارة بايدن هو العودة للإتفاق النووي ، وفتح التفاوض من داخل الإتفاق حول القضايا الخلافية مع إيران ، سواء بصدد الملف الصاروخي أو القضايا الإقليمية ، كما جاء في الإجماع الأوروبي الذي يظهر مستقبل الموقف الأميركي .
في هذا المناخ تبدو ثمة فرص لمبادرات خلال الشهر الفاصل بين الرئاستين ، ليست للتصعيد فقط ، بل ربما تكون هي الأهم والتي تملك فرصا أكبر ، وهو ما تبدو روسيا مهتمة به عبر تشجيع إيران على التهدئة لملاقاة التغيير ، وتشجيع تركيا على تسريع التموضع إستباقا للتغيير ، وتشجيع أوروبا ممثلة بفرنسا لقيادة المبادرات ، وفي هذا المناخ يمكن للبنانيين قراءة معنى نجاح اللواء عباس إبراهيم ب"قطف" الإتفاق النفطي مع العراق دون ممانعة أميركية تعطل مساره ، ويمكن أن تتاح فرصة "قطف" أخرى تتاح أمام بكركي لتخطي المأزق الحكومي .