ناصر قندیل
- لن یكون من السھل إستنساخ الطباع الشخصیة للرئیس الأمیركي المنتخب جو بایدن ،
التي تتسم بالتنظیم والسلاسة ، على المرحلة التي سیفتتحھا تولیھ الرئاسة أمیركیا
وعالمیا ، والحقیقة التي لا یمكن الھروب منھا ھي أن أمیركا المأزومة لا تزال المركز
العالمي الأول لصناعة المشھد السیاسي والإقتصادي والعسكري في العالم ، وھذا یعني
أن القدر المتوقع من الإنكفاء الأمیركي نحو الداخل ، لن یشكل سببا تلقائیا للإنفراجات
على الساحة الدولیة ، فالفراغ الذي یتركھ عدم الإنخراط الأمیركي في الأزمات الدولیة
حربا أو سلما ، یعني تعلیق ھذه الأزمات ، لأنھ لا یكفي تراجع فرص الحروب كي
یتحقق السلم أو تتقدم التسویات ، وكذلك في الداخل الأمیركي لا یكفي إستبعاد الحرب
الأھلیة أو إحتواء التمرد المنظم ، كي یتحقق التماسك السیاسي ویبدأ النھوض
الإقتصادي .
- من المنطقي والطبیعي ان تكون العلاقة تفاعلیة بین الوجھة التي سیسلكھا الدور
الأمیركي عالمیا والنتائج المترتبة على ذلك ، وبین الوجھة التي سیسلكھا الوضع
الداخلي الأمیركي ، بمقدار ما كانت العلاقة تفاعلیة بین الفشل الأمیركي الخارجي
خلال عقدین طویلین ، وظھور عناصر التفكك والتطرف داخل المجتمع الأمیركي ،
وصولا لنتائج ھذا الإنقسام الداخلي الأمیركي الحاد على القدرة الأمیركیة على ممارسة
المزید من التدخلات الحاسمة عسكریا أو سیاسیا ، بحیث تراجعت قدرة صناعة
الحروب وتراجعت أیضا ، وھذا ھو الأھم الوحدة الداخلیة اللازمة لشرعنة أي مقاربة
أمیركیة لصناعة التسویات ، وبمقدار ما تحتاج أي إدارة أمیركیة إلى تماسك سیاسي
ونھوض إقتصادي لتطلق یدھا سواء في التدخلات العسكریة الخارجیة او في صناعة
التسویات في الأزمات الدولیة ، فإنھا تحتاج التخفف إلى أعلى درجة ممكنة من ضغط
الأزمات الخارجیة كي تتفرغ للداخل لبناء التماسك السیاسي وصناعة النھوض
الإقتصادي .
- المنطقة الرمادیة التي تقف فیھا أمیركا الیوم ربما تكون من الخطورة بمكان ، بحیث
یصعب على إدارة بایدن إمتلاك القدرة على التخفف من ضغط الأزمات الخارجیة دون
الإنخراط في صناعة تسویات كبرى ، تقوم على الأرضیة التي رسمھا تقریر بایكر
ھاملتون ، لجھة الإعتراف بمكانة روسیا وشراكتھا السیاسیة والعسكریة ، والإعتراف بنھوض الصین وتقدمھا الإقتصادي نحو الشراكة الكاملة في صیاغة الإقتصاد العالمي
وقواعد تسییره ، والإعتراف بأن ثمة تغییر كبیر یصیب قلب العالم الذي یمثلھ الشرق
الأوسط لجھة علاقتھ بمكانة الطاقة في الإقتصاد العالمي ولو على المدى المتوسط ، أو
لجھة مكانة "إسرائیل " في السیاسات الأمیركیة ، أو لجھة مكانة الإسلام في صناعة
السیاسة في ھذا الشرق ، وأن جوھر ھذا التغییر یتمثل بصعود قوى جدیدة تمثل إیران
عمقھا الإتسراتیجي ولم یعد ممكنا صیاغة ھذا الشرق الأوسط وضمان إستقراره دون
التفاھم معھا والتسلیم بشراكتھا ، وبالتوازي یصعب على إدارة بایدن إسترداد التماسك
السیاسي الداخلي كشرط لإطلاق النھوض الإقتصادي ، دون الأخذ بالإعتبار أن نصف
الأمیركیین الذین یرید بایدن إستردادھم لمشروع لبناء الدولة یتموضعون خلف أفكار
متطرفة وعنصریة في الداخل وتجاه الخارج معا ، تقید قدرتھ على الذھاب نحو أي
سیاسات تستھدف صناعة التسویات في الخارج .
- محاولة بایدن كما تقول كتاباتھ ومقالات أبرز معاونیھ ، تقوم على محاولة رمادیة تجاه
الداخل والخارج ، وعنوانھا محاولة إطلاق الإقتصاد دون معالجة الندوب الخطیرة التي
أصابت المجتمع الأمیركي ، والمختلفة عن كل ما سبقھا من إنقسامات كان أغلبھا قابلا
للإحتواء عبر ثنائیة الحزبین ، ومحاولة ربط النزاع على الساحة الدولیة بالعودة الى
الإتفاقیات الناظمة للخلافات ، دون التورط في صناعة التسویات ، وھذا سیعني تحكم
عناصر فاعلة لا یمكن تجاھلھا من خلف ظھر الرئیس الأمیركي ، تؤدي لقیادة خط
النزاع الداخلي للمشھد السیاسي الأمیركي بإرھاصات تتوزع بین العنف العنصري
المتفجر بین حین وآخر ، وبتھدید مشاھد وحدة الكیان الفدرالي بمشاریع إنفصال لعدد
من الولایات تشتعل ثم تتراجع ، وستفرض ھذه الخطوط الحاكمة إیقاعھا على المشھد
الداخلي ، بینما ستتحكم القوى المحلیة والإقلیمیة بفرض إیقاع تصعید وصناعة تسویات
في الملفات المتفجرة في العالم ، بحیث سیبدو المشھد السیاسي الداخلي والخارجي
أقرب للفوضى ، المسقوفة بعقل إدارة أزمات یحول دون الإنفجارات الكبرى لكنھ
یعجز عن صناعة الحلول
2021-01-13 | عدد القراءات 1782