ناصر قنديل
– بالرغم من تباين العناصر المادية بين جريمتي اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتفجير مرفأ بيروت، تبدو وجوه التشابه كثيرة في السياقات المرافقة للجريمتين، حيث بدا من اللحظات الأولى لاغتيال الرئيس الحريري أن هناك مشروعاً كبيراً يستثمر على عملية الاغتيال، وجعله خريطة طريق نحو تنفيذ القرار 1559 الذي كان حتى ذلك التاريخ حبراً على ورق، وصولاً لعلاقة الاغتيال بإعادة رسم العلاقات بين الطوائف في المنطقة من العراق الى سورية ولبنان، وهي لا تزال حتى تاريخه ترددات زلازل الفتن المذهبية التي اشتعل فتيلها مع الاتهامات التي رافقت الاغتيال؛ وبصورة غير بعيدة أبداً، بدا تفجير المرفأ منصة فوريّة لتتابع وتزامن أحداث كبرى، بحجم التطبيع الخليجيّ الإسرائيليّ وبدء الحديث عن حلول مرفأ حيفا مكان مرفأ بيروت بالنسبة للتجارة الخليجيّة، وبحجم الحديث عن مشروع تفويض دولي إقليمي لفرنسا بتولي الملف اللبناني تعويضاً عن الخسائر الفرنسية والأوروبية المتلاحقة في بلدان الشرق الأوسط، وانطلاق هذا المسعى من منصة تفجير المرفأ.
– كما في اغتيال الرئيس الحريري في تفجير المرفأ، ظهر صوت الاتهام الهادف للتوظيف السياسي أعلى من صوت البحث عن الحقيقة والسعي للعدالة. وفي الحالتين تمّ تطويق التحقيق القضائي وإغراقه بروايات وطلبات وأولويات وأحقاد وخطاب شعبويّ، وفي الحالتين محاولات لا تهدأ لحرف التحقيق المحلي عن السياق وصولا لطرح التحقيق الدولي القابل للتحكم والتوظيف بديلاً وحيداً. وفي الحالتين حجب دولي للمعلومات المفيدة عن التحقيق. وفي الحالتين ابتعاد عن الأسئلة الحقيقيّة حول المستفيد وصاحب المصلحة.
– التحقيق التقني حول كيفية التفجير في الحالتين دخلت عليه الاجتهادات المبرمجة والموجهة، فكما صار الكل يومها خبراء متفجرات يتحدثون بالتفجير تحت الأرض وفوق الأرض، نسمع اليوم عن التلحيم مرة وعن تبخّر الكميات التي لم تتفجّر، بينما الجواب العلمي محجوب بضغوط خارجية تسعى لإعادة فتح الباب لتمرير استنتاجات تريد تحقيق أهداف سياسية، وليس من باب الصدفة فتح الباب لتمرير تقارير تشبه بالشكل والمضمون لعبة التسويق والتشويق مع بطل التزوير في التحقيق في لاغتيال الرئيس الحريري زهير الصديق، لروايات عن كيف وصلت النترات ولحساب مَن، بينما الملف القضائي لسفينة ترايدر، التي أوقفتها السلطات اليونانية وثبتت علاقتها بتنظيمات إرهابية معادية لسورية تريد استعمال لبنان كمنصة عبور، يكشف الكثير من الوقائع، التي يراد طمُسها وإغراقها بروايات جيمسبوندية تشبه روايات زهير الصديق، وبأدوات التسويق والتشويق ذاتها.
– كما في اغتيال الرئيس الحريري في تفجير المرفأ، لا يزال الاستهداف للمقاومة حاضراً للتوظيف إن لم يكن حاضراً خلف الجريمة الأصلية، وفي الحالتين اللعبة الإعلامية ساحة رئيسية للاعبين، ولا يبدو التمويل المرصود للإعلام معزولاً عن مدى مشاركتها في هذه اللعبة، لكن اللبنانيين زادوا خبرة ولم يعُد ممكناً التلاعب بعقولهم بزعم مصداقية ما بث في قنوات إعلامية مرت باختبارات كشفت خلفياتها وأسقطت أقنعة الموضوعيّة عنها، والتكرار لم يعد ممكناً والناس في حال الذهول ذاته، والفبركات ومحاولات التلاعب، تبدو تحت المجهر هذه المرّة، وتبدو القوى المعنية بالمواجهة متحررة من لعبة الابتزاز التي فعلت فعلها في المرة الأولى.
– استعمال الأدوات ذاتها يحقق النتائج ذاتها، وهم كبير. فالتعامل مع العقول تراكمي وما احتاج كشفه لسنوات في المرة الأولى يسقط خلال أيام في المرة الثانية.
2021-01-15 | عدد القراءات 3369