بایدن المحاط بالتناقضات لن "یشیل الزیر من البیر" نقاط على الحروف

ناصر قندیل
- أسئلة كثیرة تحیط بما سیحملھ تولي الرئیس الأمیركي الجدید جو بایدن لمقالید الرئاسة 
، في ظل الصفحة السوداء التي مثلھا حكم الرئیس المنتھیة ولایتھ دونالد ترامب ، 
ویتسرع الكثیرون في رؤیة مرحلة وردیة یمثلھا بایدن بسبب حجم الأشواك التي تكرھا 
ترامب ، لكن الصورة لیست كذلك ، فحكم بایدن سیمر بین النقاط كما یقال ، ولن یكون 
بایدن قادر أن "یشیل الزیر من البیر" كما یقول المثل الشائع ، في توصیف الدعوة 
لتخفیض سقف التوقعات ، فالخیارات التي تنتظر بایدن صعبة ومعقدة ، والتناقضات 
التي ستحیط بالملفات الملحة المطروحة أمامھ تتكفل بجعل كل من الخیارات 
الإفتراضیة سببا لأزمات لا تقل خطورة عن التي سیعالجھا ، ویمكن القول بحساب ھذه 
الفرضیات أن أقصى ما یستطیعھ بایدن ھو إدارة الأزمات بما یستبعد فرص 
الإنفجارات الكبرى ، لكن دون الدقرة على صناعة الإنفراجات .
- وضع أمیركا الیوم یشبھ في الإستعصاء الذي یقع فیھ وضع كیان الإحتلال بالعجز عن 
خوض الحروب والعجز عن صناعة التسویات ، ولأسباب بنیویة في الوضعین ، فكما 
أن كیان الإحتلال الذي بلغ بإعتراف أركانھ وقادتھ مرحلة العجز عن خوض الحروب 
یبدو غیر صالح لغیر ذلك ، فھو عندما خرج منتصرا في حروبھ توھم أنھ یغنى عن 
صناعة التوسیات ورسم لھا سقوفا وھمیة عالیة ، ما جعلھا مستحیلة ، وعندما ھزم في 
حروبھ أو فشل في تحقیق أھدافھا ، بات یعتبر كل تسویة واقعیة تكریسا لھزیمة متمادیة 
ستتكفل بإنحلالھ ككبان قائم على القوة ، بحیث ان "اسرائیل القویة لا تصنع التسویة 
لأنھا لا تشعر بالحاجة الیھا بل الرغبة بفرض شروط الإستسلام على خصومھا ، 
وغسرائیل الضعیفة تضعف أولا امام المتطرفین فیھا ، فیفقد أي سیاسي حاكم التفویض 
اللازم للخوض في غمار التسویات ، بمثل ما یفقد القدرة اللازمة على خوض المزید 
من الحروب .
- في الحالة الأمیركیة أمام بادین تحدیات من عیار الصول الى تفاھم مع موسكو وبكین 
على قواعد شراكة لا مجرد ربط نزاع ، ووفقا لكل الخبراء یشكل الإنخراط الأمیركي 
في ھذه الشراكة المفترضة تسلیما بتراجع المكانة الأمیركیة یعرف بایدن أن علیھ تجنبھ 
طالما أن معركتھ الداخلیة مع الیمین المتطرف الذي زاد قوة ، وصار عنوانا لإنقسام 
أھلي خطیر ، تتم تحت عنوان إثبات التمسك بالتمیز الأمیركي والتفوق الأمیركي وبالتوازي ما یحتاجھ الرئیس الأمیركي في الشرق الأوسط الجمع بین الظھور كمدافع 
عن "إسرائیل" ، وقادر على تخفیض التوتر ، والسیر بواحد من الإتجاھین یصیب 
الآخر بالضرر ، وعلیھ ان یثبت أھلیة التفاھم النووي مع غیران بالمقارنة مع سیاسات 
ترامب ، دون أن یسمح بظھور إیران مستفیدة ، وكذلك علیھ أن یعید توحید صفوف 
حلفائھ ، بدءا من أوروبا وتركیا ومصر والخلیج ، فماذا یفعل بالأخوان المسلمین ، 
وماذا یفعل بلیبیا ، وإذا قرر تغلیب التحالف مع مصر وفرنسا والخلیج على تركیا كیف 
یستطیع منع خسارتھا وتموضعھا بصورة أوضح ضمن الحلف الروسي الإیراني ، 
وبالتالي الستلیم بتعاون روسي إیراني تركي ینتھي بخسارة أمیركیة كاملة في سوریة 
والعراق ؟
- ماذا سیفعل بایدن في الشق الداخلي ، وھل یمكن السیر بخطوات تخفض منسوب 
الغضب والقلق عند الأقلیات السوداء واللاتینیة والمسلمة دون رفع منسوب غضب 
القوة البیضاء العنصریة المتطرفة والمنظمة ، وھل یمكن إحتواء الشارع المتطرف من 
خلال التعاون مع الحزب الجمھوري دون تقدیم تنازلات على حساب البرنامج 
الإقتصادي الإجتماعي الذي یفرض المزید من الأعباء على الطبقات الغنیة لصالح 
المزید من الضمانات للفقراء والضعفاء ، الذي إرتفعت نسبتھم بأضعاف مع نتائج وباء 
كورونا ، وھل یمكن تفادي تصدعات في صفوف الدیمقراطیین مع كل تنازلات یتم 
تقدیمھا للجمھوریین ؟
- الإستحقاق الأول الذي ینتظر بایدن سیكون خارجیا ، البت بكیفیة التعامل مع الملف 
النووي الإیراني ، وسینظر كل الداخل الأمیركي لكیفیة تعاملھ مع ھذا الملف ، كما 
سیقیم كل من حلفاء واشنطن وخصومھا ھذا التعامل ویبني علیھ تقییماتھ ، وفي ھذا 
الملف حدود ضیقة للمناورة ، فإیران لیست بوارد اي بحث بطلبات تتصل بملفھا 
الصاروخي وأزمات المنطقة ، ولا حتى بقواعد االعودة للتفاھم النووي ودعوتھا 
للتراجع عن خطواتھا النوویة التصعیدیة ، وأمام بایدن خیارین صعبین ، العودة عن 
العقوبات التي فرضت على إیران منذ 2017 كشرط إیراني واضح عنوانھ عودة 
عملیة متبادلة الى قواعد الإتفاق نفسھ دون تفاوض ، وفي ھذه الحالة سیجد بایدن نفسھ 
أمام تصاعد الإنقسام الداخلي وإتساع الفجوة مع الخصوم ، كما سیجد مناخا "إسرائیلیا 
وخلیجیا تصعیدیا ، أو خیار المضي بالعقوبات تحت شعار إنتظار التفاوض المفترض 
الذي لن یتم ، وفي ھذه الحالة سیفتتح ولایتھ بالتحول الى ترامب آخر ، فتنغلق الأبواب 
أمامھ في بكین وموسكو ویترنح الإتفاق النووي نحو السقوط ، ویرتفع منسوب التصعید 
في المنطقة 

2021-01-18 | عدد القراءات 1732