يستسهل بعض الإعلاميين والسياسيين الرد على النرجسية اللبنانية السائدة عند بعض آخر يربط كل شؤون لبنان الداخلية بمستقبل السياسة الأميركية خصوصا بعد الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ، باقول ان لبنان ليس أولوية أميركية ، وصولا للقول ان الرئيس الأميركي جو بايدن عندما يذكر أماه لبنان سيطلب الخاارطة للتعرف على مكانه عليها ، وكل من الموقفين يعبر عن مبالغة في غير مكانها ، فبادين يعرف لبنان جيدا ويتذكره جيدا ، على الأقل منذ تفجير مقر المارينز عام 83 واسقاط اتفاق 17 أيار ، ويتذكر أكثر من الصور التي حملها من زيارته للبنان ، أن هذا البلد أذل وهزم الحليف الإستراتيجي لواشنطن الذي يمثله كيان الإحتلال ، والذي قال عنه بايدن انه يجب على اميركا ان تخلقه لو لم يكن موجودا ، ويعلم جيدا كم بذلت الإدارات التي سبقت إدارته من مال وجهود لإضعاف عنصر القوة الحاسم الذي تمثله المقاومة في لبنان بوجه هذا الكيان ، وهذا يضع لبنان ومقاومته حكما في أولويات بايدن الشرق أوسطية ، من هذه الزاوية التي ترتبط بالصورة الإجمالية للمشهد الإقليمي ، دون أن يعني ذلك أن التفاصيل اللبنانية البعيدة عن هذا العنصر ، بين الأولويات أو موضع إهتمام يذكر .
في السياسة الخارجية الأميركية يقع لبنان على تماس مع النظرة الأميركية لحيوية العلاقة المميزة مع فرنسا ، والأخذ بالإعتبار لووقع لبنان على ثلاثة فوالق محورية في المنطقة تحاول إدارة بايدن مقاربتها عبر فك الإرتباط بين عناصرها ، الأول هو أمن كيان الإحتلال والثاني هو النظرة لمستقبل العلاقة مع إيران ، والثالث هو الصراع الدائر حول سورية ، وإدارة بايدن الذاهبة للتخلي عن الرهان على إستراتيجية الضغوط القصوى الهادفة لإسقاط شعوب المنطقة ودولها أملا بإضعاف إيران وحلفائها ، ستكون أولويتها مستقبل العلاقة مع إيران ، كمفتاح لإعادة رسم السياسات في المنطقة ولن تكون لها مبادرات تتخطى منع السقوط الشامل للبنان قبل تبلور مستقبل مبادراتها لوضع العلاقة مع إيران على قاعدة الإتفاق النووي كتنظيم لقواعد الإشتباك ، كترجمة لعقيدة بايدن الدبلوماسية القائمة على نظرية وضع الخصم في علبة ، أي إتفاق ، ومشاركة الخصوم والحلفاء في ضمانة عدم مغادرتها ، والسعي لملاحقته ومراقبته وتضييق العلبة عليه ما أمكن .
خلال المئة يوم الأولى من ولاية بايدن سيكون الإتفاق النووي بين الأولويات حكما ، وبعدها سيبدأ رسم السياسات المرتبطة به عضويا ، ومنها لبنان وسورية ، وهنا يرجح أن تكون العلبة التي تسعى الإدارة الجديدة لإعادة صياغتها ، قرار فك الإشتباك على جبهة الجولان ، ولو إقتضى تزخيمه التراجع عن التبني الأميركي لقرار ضم الجولان من قبل كيان الإحتلال وإلزام الكيان بوقف الغارات على سورية ، لضمان تحقيق إنسحاب إيران وحزب الله من سورية ، مقابل الإنسحاب الأميركي ، وتقديم سلة تعتقد واشنطن الجديدة أنها ستثير الإهتمام الروسي لبلورة رؤية موحدة نحو سورية ، تضمن صيغة مريحة للجماعات الكردية ، ولو لم تكن تحقيقا لنوع من الإستقلال الذاتي ، والحفاظ على المكتسبات العسكرية التي حققوها خلال الحرب ، وحزب الله سيكون طرفا يهم إدارة بايدن النظر إليه من زاوية هذه المبادرة ، التي تعبر وفق منهجية إدارة بايدن عن المقاربة الأمثل لإبعاد خطر التصعيد في المنطقة ، وفي قلبها الحفاظ على أمن كيان الإحتلال .
في لبنان سيمثل القرار 1701 وفق فهم يتضمن شكلا ما من أشكال الرقابة على الحدود اللبنانية السورية عنوان العلبة الدبلوماسية التي ستعمل إدارة بايدن لرسم معالمها لمستقبل لبنان ، حيث عودة حزب الله من سورية وتخفيض سقف التوتر على الحدود الجنوبية بما في ذلك الدفع بمفاوضات ترسيم الحدود ، من موقع السعي لإنجاح هذه المفاوضات ولو بتقديم إغراءات للبنان وحزب الله ، أهداف تلاقي محاولات ضم مراقبة الحدود اللبنانية السورية ومعه إذا امكن المرفأ والمطار ، لتشكيل سلة لا تتضمن إعتبار سحب سلاح حزب الله مهمة راهنة ، بما فيها صواريحه الدقيقة ، رغم التذكير المتواصل بمخاطرهما ، وبالمقابل الإستعداد لتضمين هذه السلة إستعدادا لدور أميركي في صياغة تفاهمات تطال النظام السياسي وتوازناته ، وموقع المرجح لحزب الله ضمنها ، بما في ذلك مستقبل الرئاسة اللبنانية القادمة ، وخصوصا الإراج عن مقومات مالية لازمة لخروج لبنان من الأزمة .
ستحاول واشنطن رسم هذه التصورات تباعا مع الرئاسة الفرنسية كشريك رئيسي ومدير تنفيذي مفوض لترجمة هذه الرؤية على مراحل تنتهي بالإنتخابات الرئاسية القادمة ، وقد تتضمن مؤتمر حوار لبناني ترعاه باريس ، وستبذل واشنطن جهدها لجعل روسيا شريكا في عناوين رئيسية منها ، خصوصا أن ما يتصل بسورية يرتبط بموسكو مباشرة ، وما يطال الحدود اللبنانية السورية والقرار 1701 ، ومستقبل ترسيم الحدود وعلاقته بثروات الغاز في المتوسط ، إهتمامات أميركية روسية سواء من موقع الشراكة أو التنافس .