بايدن و"إسرائيل" : ضربة عالحافر وضربة عالمسمار . نقاط على الحروف
ناصر قنديل
الثابت الرئيسي الذي لا يجب ان يكون موضع نقاش في مقاربة العلاقات الأميركية الإسرائيلية مع الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن ، هو الإلتزام العقائدي لبايدن بإعتبار المشروع الصهيوني مشروعا أميركيا إستراتيجيا ، وهو صاحب هذا الوصف بالجواب عن تساؤل ، ماذا لو لم تكن "إسرائيل" موجودة ، وكم كان علينا ان نرصد من المال والرجال في هذه المنطقة الحساسة ، ولو لم تكن "إسرائيل" موجودة لكان على أميركا أن توجدها ، لكن هذا الثابت لا يعني التسليم بإنتقال صناعة القرار الأميركي في المنطقة إلى تل أبيب ، ولا حتى التسليم برسم حدود دور تل أبيب في الإستراتيجية الأميركية ، أو التسليم بتحديد تل أبيب لكيفية ترجمة التمسك الأميركي بجمايتها .
ضمن هذه الثنائية ستتحرك السياسة الأميركية في عهد بايدن ، وهي سياسة في شق منها ترتبط بتثبيت قواعد للسياسات دون ترجمتها بمبادرات ، وهذا هو الحال مع رؤية بايدن وفريقه لضرورة التمسك بمشروع لتسوية القضية الفلسطينية يقوم على مبدأ الدولتين والإنفتاح على السلطة الفلسطينية وإبقاء فكرة التفاوض حية ، وصولا الى الإعتراض على سياسة الإستيطان ، والضم ، دون التراجع عن نقل السفارة الأميركية الى القدس فهذا بعد عقائدي مشترك ، ويمكن مواءمته مع إبقاء القدس الشرقية موضوع تفاوض طالما ان السفارة مقامة في القدس الغربية ، لكن ذلك كله ليس إلا ترجمة لمفهوم أميركي تقليدي مضمونه أن دور أميركا ليس مطابقة الموقف الإسرائيلي ، بل الحؤول دون تبلور موقف شعبي فلسطيني وعربي تصعيدي بوجه "إسرائيل" ، وهذا شرطه موقف أميركي يبقي الأمل قائما بالعملية التفاوضية ولو دون تحقيق أي تقدم ، ودون تقديم اي مبادرات ، وهذا الموقف هو الذي كان وراء التأجيل المتلاحق لإدارات ديمقراطية وجمهورية لنقل السفارة الى القدس ، الذي خرقه دونالد ترامب ، وهو الموقف الذي يرى أن التطابق الأميركي الإسرائيلي سيحول الموقف العربي التابع لإسرائيل إلى حالة هامشية في الشارع العربي الذي سيذهب الكثير من شرائحه الى خيار المقاومة ، والأخطر انه سيفقد الفلسطينيين الأمل بحل تفاوضي ، ويدفعهم للإنضمام بقواهم الحية الى الوحدة وراء خيار المقاومة والإنضمام الى معسكرها .
ضمن هذه الثنائية أيضا ستحافظ إدارة بايدن على حالات التطبيع العربية الإسرائيلية ، لكنها لن تضعها تحت الضوء بصفتها التعبير الأقوى مع السياسة الأميركية ، فواشنطن تريد أن تتحكم وحدها بالنظام العربي لا ان تتخذ "إسرائيل" شريكا ، وواشنطن لا تريد تشجيع ما يوحي بأن موت عملية التفاوض لم ينتج عنه مزيد من التأزم ، والأكثر من ذلك يرجح تراجع واشنطن عن اذن بيع طائرات الأف 35 الى الإمارات ، وعن الإعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية ، بصفتها رشوات من خارج السياق الأميركي التقليدي للترويج للتطبيع ، وهو ليس أولوية أميركية راهنة طالما لم يتقدم مشروع تفاوضي قادر على صناعة تسوية .
لن تلتزم إدارة بايدن بإدارة التعامل مع الملف النووي الإيراني وفقا للرغبات والطلبات الإسرائيلية ، فقرار العودة للتفاهم النووي متخذ ولن تتأخر الخطوات العملية نحو هذه العودة ، وستمضي إدارة بايدن في الخطة التي بدأت مع إدارة باراك أوباما ووجدت ترجمتها في ولادة الإتفاق النووي ، وكما قررت واشنطن التمايز عن تل أبيب في هذا المجال المقرر للسياسات في الشرق الأوسط قبل سنوات ، ستعود اليه اليوم بعدما أثبتت تجربة دونالد ترامب صحته ، وتتبنى الموقف الذي وضعته إدارة اوباما تحت عنوان ، التفاهم سيئ لكن كل البدائل أشد سوءا .
ستسعى إدارة بايدن لتعاون أميركي روسي في سورية وتعاون أميركي فرنسي في لبنان ، وفي كليهما تبريد على خط العلاقة الأميركية الإيرانية ، أملا ببلوغ مرحلة تخفف مخاطر الإنزلاق إلى مواجهات تهدد أمن "إسرائيل" ، ترجمة لمقولة حماية "إسرائيل" من نفسها عند الحاجة ، وستعرض واشنطن دون أوهام فرص حلول جذرية قواعد للإشتباك ترتكز على توسيع مفهوم تطبيق القرارات الدولية ، سواء قرار فك الإتشباك على جبهة الجولان أو القرار 1701 ، لضمان التداول بصفقات شاملة دون سقف التسوية ، في قلبها مشروع شامل للعودة الى ما قبل الحرب على سورية ، في كل من سورية ولبنان ، يما يتضمن ذلك تراجعا أميركيا عن دعم قرار ضم الجولان ، ووقفا إسرائيليا للغارات على سورية ، وإنسحابا أميركيا من سورية ، مقابل طلبات من نوع إنسحب إيران وحزب الله من سورية ، وإخضاع الحدود السورية مع لبنان والعراق للمراقبة ، وتنشيط التفاوض على ترسيم حدود النفط والغاز على الحدود اللبنانية ، وسعي للتفاهم مع روسيا على غاز المتوسط ونقله الى أوروبا ، ضمن مشروع تفاهم أوسع حول سورية لا يمنح تركيا جوائز على حساب الأكراد الذين يبقون موضع عناية أميركية خاصة .
التجاذب الأميركي الإسرائيلي قد لايكون حاضرا بقوة إذا إنعكست التغييرات الأميركية بصناعة توازنات إسرائيلية جديدة عبر الإنتخابات المبكرة ، تحت سقف السعي لتخفيض سقف التوتر ومنع الإنزلاق الى مواجهة ، من دون أوهام القدرة على تغيير الوقائع التي باتت ثابتة في المنطقة ، سواء لجهة قوة إيران ، أو حلفائها ، وخصوصا حزب الله .
قد تختصر معادلة العربة الأميركية الإسرائيلية ، وأحصنتها ، الجملة المعبرة ، "ضربة على الحافر وضربة على المسمار" .