روبرت فورد بين إدارة بايدن وسورية : فشل الدويلة الكردية ودعوة لتفويض روسيا نقاط على الحروف
ناصر قنديل
في مقالة في المجلة الأهم في رسم السياسات الخارجية ، الفورين افرز ، نشرها السفير الأميركي السابق في سورية خلال السنوات التي سبقت ورافقت الحرب الأميركية على سورية ، روبرت فورد ، المعروف بموقعه كخبير في الشؤون السورية وشؤون قوى المعارضة من الأخوان المسلمين الى الجماعات الليبرالية ، من موقعه كأحد العقول المعنية برسم السياسات في الحزب الديمقراطي ، اختصر حصيلة الدور الأميركي في سورية خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب وأواخر ولاية الرئيس باراك أوباما ، وتقدم بمقترحات يمكن ان تشكل احد الأوراق الرئيسية على طاولة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن ووزير خارجيته توني بلينكين الذان عملا مع فورد طيلة فترة ولاية الرئيس باراك أوباما الذي عينه عام 2010 سفيرا في سورية .
يصف فورد المرحلة التي أعقبت رحيله عام 2014 بقوله ، السنوات الست يمكن إختصارها بالتركيز على حماية مشروع الدويلة الكردية شمال شرق سورية وموقعها في النفط والسياسة ، بقوله ، بعد ست سنوات وقرابة 2.6 مليار دولار، باتت هذه الدويلة طفل الولايات المتحدة في المنطقة، ونشأت تحت الحماية العسكرية الأمريكية، محمية من جيرانها المعادين. لكنها غير قادرة على حماية ذاتها، وبالتالي ستظل منطقة الحكم الذاتي معتمدة على موارد الولايات المتحدة في المستقبل المنظور. ومع ذلك، فإن الالتزام المفتوح من هذا النوع ليس ما تحتاج إليه الولايات المتحدة. فسورية لم تكن أبدًا قضية أمن قومي أمريكي رئيسة، وطالما كانت المصالح الأمريكية فيها مقتصرة على منع تحول الصراع داخلها إلى تهديد يطال مخاوف واشنطن الأكثر أهمية في أماكن أخرى. لكن السياسة الأمريكية الحالية لا تقدم الكثير لتحقيق هذا الهدف المركزي، كما أنها لم تؤمن عملية إصلاح سياسي في دمشق، ولم تُعِد الاستقرار إلى البلاد، ولم تتعامل مع فلول تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". ومن الأفضل أن يغير الرئيس جو بايدن مسار سحب مئات الجنود الأمريكيين المنتشرين حاليًا في سورية، كما عليه الاعتماد على روسيا وتركيا لاحتواء داعش.
يشرح فورد نظريته بالقول ، لقد تسبب حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد السوريين بتفاقم التوترات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة بين العرب والأكراد. وهناك إحباط واسع النطاق بين المجتمعات العربية على وجه الخصوص، من الهيمنة السياسية الكردية التي مكنتها الولايات المتحدة، ومن السيطرة الكردية على حقول النفط المحلية. كما يحتج السكان العرب على الفساد الإداري المزعوم لقوات سوريا الديمقراطية، وعمليات مكافحة الإرهاب القاسية، وممارسات التجنيد الإجباري ، ومن جانبها، شنت القوات الكردية هجمات بسيارات مفخخة على بلدات عربية خاضعة لسيطرة الجيش التركي. وفي مثل هذه البيئة المشحونة بالتوترات العرقية والخلافات القبلية، يمكن لداعش العمل بقبول ضمني من المجتمعات المحلية ويمكن لها تجنيد عناصر من صفوف السكان الساخطين. وستواجه الولايات المتحدة هذه المشكلة دائماً، طالما أن سياساتها تفضل دولة يهيمن عليها الأكراد في شرق سورية.
يجزم فورد بفشل الرهان على الدويلة الكردية بإنهاء تنظيم داعش ، ويقول ، يفتقر النهج الأمريكي الحالي أيضاً إلى نهاية قابلة للتحقيق، فبدون غطاء دبلوماسي وعسكري أمريكي، من المرجح أن تواجه وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية حرباً على جبهتين أو ثلاث جبهات: ضد كل من تركيا والحكومة السورية، الأمر الذي من شأنه أن يبعد مقاتليهما عن المعركة ضد داعش. ولمنع هذه النتيجة، ومع استمرار دعم القوات الكردية، سيتعين على الولايات المتحدة البقاء في شرق سورية إلى أجل غير مسمى ، و يضيف فورد أنه في حال اختارت روسيا أو تركيا أو إيران أو الحكومة السورية زيادة الضغط العسكري على القوات الأمريكية أو الدولة الكردية الناشئة، فستضطر الولايات المتحدة حينها إلى تخصيص مزيد من الموارد لحل المشكلة. كما كان الحال عندما بدأت الوحدات العسكرية الروسية في مضايقة الدوريات الأمريكية صيف عام 2020، ما دفع القيادة المركزية الأمريكية إلى إرسال وحدات مدرعة خفيفة جديدة كرادع لروسيا. ومن المرجح أن تزداد هذه الديناميكية سوءاً في السنوات القادمة.
يستند فورد على هذه القاعدة النظرية ليستنتج ، أنه بالنظر إلى هذه العيوب في سياسة ترامب تجاه سوريا، تحتاج الإدارة الجديدة إلى نهج مختلف، نهج قادر على احتواء داعش بنجاح، دون إلزام الجيش الأمريكي بحرب أخرى إلى الأبد. وبدلاً من الحفاظ على الاستراتيجية الأمريكية الحالية، يجب أن تركز دبلوماسية فريق بايدن، بشكل أكبر على روسيا وتركيا. فالاعتراف بمصالح هذين البلدين في سورية قد يؤدي إلى نتائج أفضل، وهو خبر غير سار ، ويشرح ، أن روسيا ليست شريكاً مثالياً، لكن دعمها (للرئيس بشار) لأسد يجعلها القوة المناسبة لتولي القتال ضد داعش. إذ إن موسكو ملتزمة بضمان بقاء الحكومة السورية، كما أن عودة ظهور داعش (التي يُحتمل أن تمولها حقول النفط السورية التي تم الاستيلاء عليها من قوات سوريا الديمقراطية)، ستهدد الأسد بشكل خطير. وللاستفادة من هذا المساحة الضيقة من الأرضية المشتركة، يجب على إدارة بايدن إبرام صفقة تفوّض بها موسكو مهام مكافحة داعش على جانبي نهر الفرات. وسيتطلب هذا حتماً زيادة الوجود العسكري الروسي في شرق سوريا، وستحتاج الولايات المتحدة إلى التفاوض على انسحاب تدريجي لقواتها وجدول زمني للانتقال من السيطرة الأمريكية إلى السيطرة الروسية.
يقترح فورد على بايدن تجنب مفاجأة شركاء الولايات المتحدة الأكراد بهذه الاستراتيجية الجديدة. لذا يجب على إدارته إبلاغهم في وقت مبكر بشأن الخطوات الأمريكية الوشيكة. فقد كانت قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب شريكين جيدين في القتال ضد داعش، وسيكون من الحكمة أن يواصل الروس العمل معهم بموجب ترتيب جديد. فلدى موسكو خبرة في هذا المجال، حيث أنشأ الروس وجُهِّزوا، بل ويشرفون حالياً على "الفيلق الخامس" من المقاتلين الموالين لدمشق، والذين يقومون بمهام في جميع أنحاء البلاد. وبالاشتراك مع الحكومة السورية، يمكن لموسكو إنشاء "الفيلق السادس" الجديد، المكوّن من أعضاء قوات سوريا الديمقراطية تحت القيادة الروسية ، ويرى فورد أنه ، سيتعين على حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب التفاوض مع دمشق حول الوضع السياسي للأراضي التي يسيطرون عليها، ويمكن لعلاقة حزب الاتحاد الديمقراطي الطويلة الأمد مع الحكومة السورية أن تسهل هذه العملية. ففي عام 2012، أبرم التنظيم اتفاقاً مع (الرئيس) الأسد للسيطرة على المدن الشمالية الشرقية مع انسحاب الجيش السوري منها، ولم تتعرض مجتمعاته مطلقاً لحملات قصف حكومية مثل تلك التي استهدفت حمص وحلب وضواحي دمشق.
يرد فورد على الذين سيقولون ، أن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن يمنح إيران وروسيا السيطرة على سورية ، بالقول أن الروابط السياسية والعسكرية بين هذين البلدين ودمشق منذ عقود طويلة مع دمشق، وهي العلاقات التي من غير المرجح أن تستطيع الضغوط الأمريكية إضعافها. فقد حافظت روسيا وسورية على علاقة وثيقة منذ الحرب الباردة، وعمل المستشارون الروس في البلاد قبل وقت طويل من بدء الصراع الحالي عام 2011 ، كما أن وجود إيران طويل الأمد أيضاً، فعندما كنت سفيراً للولايات المتحدة في سورية قبل عشر سنوات، كانت الولايات المتحدة تقاسم الدبلوماسيون الأمريكيون مبنى سكني مع أعضاء الحرس الثوري الإيراني، وكانت هناك منشآت عسكرية تابعة للحرس الثوري في سورية منذ ما يقرب من 20 عاماً ، وبالنتيجة، لن تغير الدوريات الأمريكية الصغيرة والعرضية في شرق سورية، أياً من هذه العلاقات الثنائية، ولن تكون قادرة على منع شحنات الصواريخ الإيرانية إلى البلاد، وهو أمر تقوم به القوات الجوية الإسرائيلية بالفعل بشكل فعال. ويمكن لبايدن –بالطبع- الحفاظ على استراتيجية إدارة ترامب. لكن القيام بذلك سيعني إهدار مليارات الدولارات مع تفاقم التوترات الطائفية والفشل في احتواء داعش.