مبادرة السنيورة أم مناورة السنيورة ؟ كتب ناصر قنديل
بداية يجب تقدير الجهد المبذول في النص الذي وضعه الرئيس فؤاد السنيورة بين أيدي اللبنانيين تحت عنوان مبادرة للإنقاذ الوطني ، وقد ضمنها محاولة لقراءة تاريخية للأزمات اللبنانية وصلتها بالتركيب الطائفي ومشروع العقد السياسي والإجتماعي الوطني ، في زمن يعتمد الكثير من السياسيين على جهد الحد الأدنى بقراءة عناوين الصحف والمقالات وابداء الرأي بتغريدة أو التعليق بطريقة تستعيد أدبيات ينقصها الإبداع والإبتكار ، بينما بذل السنويرة جهدا فكريا وعمليا لطرح ما يراه جديدا ونراه جديرا بالنقاش .
يعتقد السنيورة مخطئا أن أزمة اللايقين الوطني التي يتحدث عنها غير مسبوقة ، ففي الأزمات التي عصفت بلبنان ومنها ما لايزال عالقا في الذاكرة من الثمانينات كان اللايقين أشد وطأة ، في ظل وصاية أميركية إسرائيلية تجسدت بما يتعدى أوهام السنيورة عن وصاية إيرانية اليوم ، فالوقائع تقول بالوجود العسكري الأميركي الإسرائيلي وإنجاز إتفاق 17 أيار وسواها من علامات ظاهرة للوصاية ، ومشاريع التقسيم كانت معلنة وظاهرة تحت شعارات أمن المجتمع الطائفي أولا ومقابلها الإدارة الذاتية للمناطق ، وحروب التطهير الديمغرافي الطائفي كانت على قدم وساق .
يعتقد السنيورة مخطئا بتوازي معايير ما يسميه بناء المرجعية الأحادية في الطوائف ، فنحن أمام مشاهد غير متوازية وغير متوازنة ، بين صعود زعامة القوات اللبنانية بالحديد والنار وحروب التصفية ، وصعود زعامة الرئيس رفيق الحريري بقوة العامل الإقليمي الذي أغلق البيوتات السياسية في طائفته لحساب مركزة التمثيل عنده ، وصعود زعامة الثنائي الشيعي بقوة تجديد التمثيل الشعبي على البارد بقوة القضية المتصلة بالموقف من الإحتلال والمكانة الطائفية في النظام ، وصعود الزعامة الجنبلاطية بقوة الحماية في حرب التصفية التي شهدها الجبل ، وصعود الزعامة العونية بعد الطائف بقوة فشل إحتواء صيغة تطبيق الطائف للشارع المسيحي رغم مساندة بكركي والقوات للطائف قبل خروجهما من آلية تطبيقه .
يعتقد السنيورة مخطئا بأن دعوات تغيير النظام هي دعوات إنقلابية ، بما فيها دعوة رئيس التيار الوطني الحر ، ففي التفاصيل تتضمن هذه الطروحات ، ما يورده السنيورة نفسه في آخر مبادرته ، من بنود مثل نظام المجلسين الذي نص عليه الدستور للمرحلة الإنتقالية التي يريدها السنيورة ضبابية لتصير كلامية ، وأرادها الطائف عملية مبرمجة ضمن خطة ، يا حبذا لو تضمنت مبادرة السنيورة إجابة على ما كيفية تطبيقها ، لأن عقدة إتفاق الطائف في التطبيق هي في العجز عن وضع خطة زمنية لكيفية الإنتقال من المرحلة الطائفية التي تشكل مجرد بداية لوقف الحرب مهما أسبغ عليها السنيورة من صفات وطنية ، الى المرحلة اللاطائفية التي يجد السنيورة الأعذار لبقائها كلاما بلا مضمون ، وبينهما مرحلة إنتقالية تتمثل بتطبيق نصين دستوريين ، واحد في المادة 22 تنص على نظام المجلسين ، وثانية في المادة 95 تتحدث في إحترام مناصفة توزيع وظائف الفئة الأولى لكنها تحرم تخصيص وظيفة بطائفة ، وكان إسهام السنيورة سيكون مقدرا بنتائجه لا بجهده فقط ، لو افترح البدء بتطبيق نظام المجلسين الإنتخابي الذي يتضمن مجلسا نيابيا خارج القيد الطائفي ، ومداورة وظائف الفئة الأولى الأهم بكثير من مداورة الحقائب الوزارية التي كانت ابتكارا للسنيورة نجح بتعطيل حكومتين حتى الآن .
تتحول المبادرة الى مناورة عندما تحاول القول ان صيغة التوزيع الطائفي للصلاحيات التي أقرها اتفاق الطائف تشكل اختلافا عن صيغة 43 لجهة كونها صيغة طائفية ، ليعتبرها صيغة وطنية ، متحدثا عن مواطنة في مجتمع تعددي تختلف عن أنتماء للطائفة وعبرها للوطن ، فالنفيين اللذين صنعا صيغة 43 ، اي لا وحدة مع سورية ولا للوصاية الفرنسية ، يشبهمها ما اورده السنيورة من نفيين مشابهين في الطائف ، لا اسلامية للسعي عند اي متغير لتذويب الكيان اللبناني في محيطه العربي ، مقابل قبول لا أخرى مسيحية ، هي لا لمحاولة الإنقلاب عندما تؤاتي الظروف على عروبة لبنان ، لكن في البعد الداخلي بقي التوزيع الطائفي الخاضع لموازين القوى وليس لقوة التوازن رغم الإقرار بالخروج من لعبة الأعداد بين المسلمين والمسيحيين ، لأن القائم بدلا من التنافس على نسب توزيع المراكز بين المسلمين الذين يمثلهم رئيس الحكومة في السلطة التنفيذية ، والمسيحيين الذين يمثلهم رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية ، هو تنازع صلاحيات على كيفية تشكيل الحكومة ، وصولا إلى إستعصاء ولادة الحكومة ، وحبذا لو إقترح السنيورة مخرجا لمرة واحدة لمشكل دائم التجدد ، لكيفية تنظيم علاقة الرئيسين ، في حال تكليف بلا تأليف ، فيقول على سبيل المثال ، بعد مضي ثلاثة شهور على التكليف يقدم الرئيس المكلف تشكيلته لرئيس الجمهورية الذي له ان يوقعها او يرسلها مرفقة برسالة اعتراض الى مجلس انلواب الذي عليه ان يصوت عليها بأغلبية الثلثين فيلزم رئيس الجمهورية بقبولها أو تسقط ويسقط معها تكليف رئيس الحكومة وتستمر الحكومة المستقيلة بتصريف الأعمال لحين تسمية رئيس مكلف وتشكيل حكومة جديدة .
تحول المبادرة الى مناورة نابع من كونها محاولة لتسويغ صيغة إستبدال لصلاحيات رئيس الجمهورية التي فجرت نظام ال43 بصلاحيات لرئيس الحكومة تحت شعار أن الطائف نقلنا من التنظيم الطائفي الى مرحلة قبل المواطنة الكاملة اسمها مواطنة في مجتمع متعدد ، حيث يصير النظام مدنيا من تحت وطائفيا من فوق ، وهذا مجرد لعب على الكمات لا يجد مصداقيته في الواقع .