ناصر قندیل
- یجري التداول بمعادلة تحاول قراءة التبدل الحاصل في الإدارة الأمیركیة ، بصفتھ
إنتقالا من مشروع الرئیس السابق دونالد ترامب "الإنعزالي" الذي لا یھتم بعلاقات
أمیركا في العالم ، تحت شعار أمیركا أولا ، إلى مشروع الرئیس جو بایدن القائم على
عودة أمیركا كما قال بایدن الى العالم والانخراط في مكانتھا بین دول العالم ، والعلامة
الفارقة تمثلت بإنسحاب ترامب من الإتفاقات الدولیة وعودة بایدن إلیھا وخصوصا
اتفاق المناخ الخاص بتلوث البیئة ، والعودة الى منظمات الأمم المتحدة التي قرر
ترامب الاسنحب منھا وفي طلیعتھا منظمة الصحة العالمیة .
- في الواقع تبدو ھذه الصورة مخادعة ، ولیس فیھا الا كلام ترامب عن شعار امیركا
اولا ، وشعار بایدن أمیركا تعود ، فالثابت ان سیاسات التدخل الأمیركي في الأزمات
الدولیة لم تتوقف مع أمیركا اولا في عھد ترامب ، ولن تتوقف مع بایدن ، فمصیر
الرفاه والأمن الأمیركیین مبنیان اصلا على مكانة أمیركا الإقتصادیة والسیاسیة
والعسكریة في العالم ، ولیس على ما یحدث داخل أمیركا بمعزل عن ھذا الإمتداد
الدولي لھذه الدولة العظمى .
- النقاش في الشعار یحتاج مقاربة مختلفة ، فالإنكفاء نحو الداخل الأمیركي نسبیا
والتخفف من عبء التدخلات الخارجیة ، لا یعني الإنسحاب ولا یمكن أن یعني
الإنسحاب ، والدلیل ما فعلھ ترامب من تأزیم العلاقات مع الصین وروسیا وتصعید
المواجھة مع إیران ، وما یعلنھ بایدن من نوایا لسیاستھ الخارجیة التي تعنى بملفات
العلاقات والسیاسات الدولیة ، لیصیر مضمون أمیركا أولا قابلا للقیاس بأي من
السیاستین وأي من الرئیسین ، أقرب لمعاملة ھذه الملفات الدولیة بعقلیة التخفف من
أعلى درجات التصعید والنزول عن شجرة التأزیم ، بحثا عن أفضل الممكن لتحقیق
المصالح الأمیركیة بأقل درجة من الأزمات ، وھكذا سیكون سھلا إكتشاف ان بایدن
أقرب من ترامب بدرجات لمفھوم أمیركا أولا ، ولو كان شعاره عودة أمیركا وشعار
ترامب أمیركا أولا .
- في المنطقة كان ترامب وھو یرفع شعار أمیركا أولا یخوض التصعید الذي أعقب
إنسحابھ من الإتفاق النووي مع إیران ، على جبھات تمتد من العراق وسوریة الى الیمن
ولبنان وفلسطین ، وكان واضحا أنھ وضع وصفات ثنائي رئیس حكومة الإحتلالبنیامین نتنیاھو وولي العھد السعودي محمد بن سلمان كاساس للسیاسات الأمیركیة ،
فكانت عملیات التطبیع الإسرائیلیة العربیة ، وصفقة القرن وما تلاھا من دعم لقرارات
الضم الإسرائیلیة للأراضي العربیة ، وكان التصعید في لبنان وصولا لإسقاطھ تحت
الضغط وصولا للإنھیار أملا بإسقاط المقاومة ، والذھاب في تبني الحرب العدوانیة
على الیمن الى حد تصنیف أنصار الله على لوائح الإرھاب في أواخر أیام ولایتھ ،
وبنیت كل ھذه السیاسات على وھم قدرتھا على تحقیق تغییر السیاسات لمحور المقاومة
وفي مقدمتھ إیران ، أو النجاح بإسقاط ھذا المحور وفي قلبھ إیران ، ویأتي بایدن لیرث
فشل ھذه السیاسات متجھا لتبدیل الوجھة نحو تفاھمات الحد الأدنى بدءا من إحیاء
الإتفاق النووي مع إیران ووقف حرب الیمن ، واي تدقیق بالفارق بین السیاستین
والرئیسین ، سیوصلنا إلى أن ترامب كان یعمل في المنطقة تحت شعار إسرائیل أولا ،
وأن بایدن یعمل تحت شعار أمیركا أولا ، فحیث المصالح الأمیركیة تتضمن حمایة
إسرائیل لن یتوانى بایدن عن حمایتھا ، لكن حیث الماصلح الأمیركیة تستدعي العودة
للإتفاق النووي مع إیران سیفعل بایدن ذلك بمعزل عن تحفظات إسرائیل ، وحیث
المصالح الأمیركي تستدعي حمایة السعودیة سیفعل بایدن ذلك ، لكن حیث المصالح
الأمیركیة تستدعي وقف حرب الیمن لن یتردد بایدن بفعل ذلك بمعزل عن الحسابات
السعودیة .
- أمیركا أولا أم إسرائیل أولا ھو الفارق الجوھري في المنطقة بین عناصر وموجھات
صناعة السیاسة بین ترامب وبایدن ، سواء نجح بایدن المتمسك بأمن غسرائیل وتفوقھا
، بمواصلة سیاسة مستقلة عن الضغوط الإسرائیلیة أم رضخ للضغوط وقام بتعدیل
سیاساتھ ، فالمفاوضات بالواسطة للعودة الى الاتفاق النووي ستبقى ھي المعیار لفوز
بایدن بسیاستھ ام سقوطھ تحت الضغوط ، والسیر نحو ھذا الھدف یتم في حقل الغام ،
حیث تحشد إسرائیل والسعودیة كل أوراق التأثیر على القرار الأمیركي لتفادي ھذه
الكأس المرة
2021-02-06 | عدد القراءات 1909