جان عبید ...یجب أن نشھد نقاط على الحروف

جان عبید ...یجب أن نشھد
نقاط على الحروف
 ناصر قندیل
- لعلھ من سوء الأقدار أن یضاف اسم جان عبید الى معادلة "كلن یعني كلن" في وسم 
السوء الذي یطلقھ الناشطون على رموز السلطة تحت شعار الإتھام الجامع بالفساد ، 
فلیس في سیرة جان عبید ھنة ھینة یمكن أن تشكل شائنة في تاریخھ ، وھو الداخل الى 
السیاسة من باب التنسك للفكر والثقافة والأنسنة والصداقة ، والمترفع عن تسول 
المناصب والمكاسب على أبواب زعامات الطوائف وعواصم القرار والسفارات ، ولعلھ 
في تاریخ لبنان السیاسي یندر ان نتحدث عن رجل وصلت الرئاسة إلى بین یدیھ على 
طبق من ذھب وتأنف عن تناولھا .
- یندر ان یكون مثقف مثلھ یقرأ كثیرا ویكتب أقل من القلیل ، وأن یتقن موھبة التكلم 
الساحر ومقلا الى حد الصمت في الكلام ، وأن یملك ھذا القدر من الأصدقاء ویكون 
عازفا عن إجتماعیات الصالونات الإستعراضیة ، وأن یتمتع بھذا الوزن من الصداقات 
ویحجم عن السعي لتسییلھا في صنادیق السیاسة والمال ، وأن ینجح بالبقاء صدیقا 
للخصوم الألداء دون ان یقع في خطأ المجاملة على حساب الموقف ، فلیس سھلا ان 
تكتشف في من تعرفھم ما لا یرونھ ھم في أنفسھم وعكس ما یراه فیھم خصومھم ، وأن 
تبقى مؤمنا بأن الخیر فیھم سینتصر ، وأن لیس لك الحق بأن تدین كي لا تدان ، 
مستذكرا دائما رفض حرب النوایا ، بقول الرسول ، وھل شققت على قلبھ ؟
- یصعب أن تتذكر في كل المناسبات العامة والخاصة أن لك ألف صدیق ، وأن تحفظ 
ألف بیت شعر ، وأن تتقن فھم ونطق وشرح ألف آیة في القرآن وألف أمثولة من 
الإنجیل ، وأن تلتقي في الشھر ألف شخص تحادثھم وتحاورھم وتكتفي بإلقاء التحیة 
على بعضھم لموعد في شھر قادم ، وأن تقرا في الشھر ألف صفحة ، وأن تتابع 
وتصول وتجول في عقلك ألف فكرة وفكرة ، إلا إن كنت جان عبید ، ذلك السھل 
الممتنع ، یعاتب من یستغربون عتابھ ویتسشعرون بھ قیمتھم ، لأنھ قد مضى على آخر 
لقائھم بھ أشھر ، فیمنحھم ثقة وقوة كانوا یحتاجونھا ، ویربطھم بھ سحر غامض 
ورابطة مودة أبویة تأسرھم ویشتاقونھا .
- أن تكون في حضرة الملوك والرؤساء كما في حضورك مع التلامیذ والبسطاء والفقراء 
أنت ذاتك ، في الخلق والأسلوب ودرجة الحضور والثقة وإنحاءة الضھر ، ومد الكف 
للسلام ، وانخفاض الصوت وارتفاعھ ، واستخدام الأمثال والحكم والشعر والسیرالتاریخیة ، سواء كان النقاش یدور حول تفقد أحوال الأمة أو تفقد أحوال شخص یعیش 
دھشة انھ موضوع الإھتمام ، وأن تكون عندما تخاطب الآخر تستطیع أن تنسى ھویتھ 
ومقامھ وتخاطب فیھ الإنسان وكأنك تخاطب نفسك ، إلا إذا كنت جان عبید .
- جسر لاجدار ، مع الأقویاء یجب ان تظھر الإقتدار ، وھو إقتدار الرفض والإعراض 
بدلا من لا الإستعراض ، ومع الضعفاء تظھر إقتدار النعم في تلبیة الحرمان من النعم 
وتبادل الضعف بالثقة والیقین والتذكیر بأن البشر كلھم جمع مساكین ، ھذا العبور 
المقدر في الحیاة فرصة لنثر العطر ، وتعمیم الفكر ، والشھادة للحق والفضیلة ومواساة 
الحزن وجبر الخاطر ، ومعرفة الحدود بین الأمة والوطن والقبیلة ، وبین الشرائع 
والبضائع ، وان تمیز في أھل الحكم بین من یجب ان یصغر بطنھ ومن یجب ان یكبر 
عقلھ ، وأن تقیس الناس بثلاثة اصابع بین العین والأذن وتمنح كل منھم قدر ثقلھ ، ذلك 
ھو جان عبید .
- في رحیلھ یخسر اللبنانیون الذین عرفوا جان عبید بعضا من لبنان كانوا یحلمون بأن 
یتسع ویتعاظم وینمو ، وخسر الذین لم یعرفوه أنھ فاتھم التعرف الى رجل یشبھ الحلم ، 
فالرحیل رغم الثمانین یبدو مبكرا للعارفین وظالما للذین لم یعرفوا ، ومعادلة الحلم التي 
لم تفارقھ أن یكون لبنان لاعبا لا ملعبا 

2021-02-09 | عدد القراءات 1482