التمسك الأميركي بحماية وتفوّق كيان الاحتلال عسكرياً وتمويله، ثابتة من ثوابت السياسة التي لا تتغير بتغيير الإدارات. والإدارة الجديدة في البيت الأبيض ليست جديدة أصلا فهي امتداد لإدارة الرئيس باراك أوباما عندما كان الرئيس جو بايدن نائباً للرئيس، وبايدن نفسه ليس جديداً فهو رئيس سابق لعقود ماضية للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، وشريك في كل السياسات الأميركية الداعمة لكيان الاحتلال، والمواقف المعلنة لبايدن على هذا الصعيد واضحة لجهة تباهيه بخلفيّته الصهيونية ورفعه لقضية الدفاع عن الكيان الى مستوى عقائديّ.
في السياسة وقبلها في الاستراتيجيا، خاضت واشنطن حروباً واعتمدت سياسات واستراتيجيات خلال عقدين متتاليين، في المنطقة التي يقع كيان الاحتلال في قلبها، ويلعب فيها أدواراً عسكرية وسياسية، ويمثل فيها قوة محورية في صناعة الحروب والسياسة، وكانت واشنطن وتل أبيب في قلب معارك كبرى وخيارات كبرى، ونتائج أكبر.
بعد عقدين وصلت واشنطن إلى تراكم أزمات داخلية وخارجية، واصطدمت بحقائق ووقائع من خلاصة حروبها وسياساتها تحت عنوان، العالم والمنطقة لم يعودا كما كانا من قبل، وأميركا و«إسرائيل” لم تعودا تملكان حرية التحرك كما من قبل، وبدا واضحاً أن تأثير المتغيرات على كل من واشنطن وتل أبيب ليس واحداً، بل هو في بعض العناوين متعاكس الاتجاه، وجرت محاولات أميركية إسرائيلية لدمج السياسات والخطط تحت سقف واحد خلال العقد الأخير، وجاءت النتائج لتكشف الفشل في السياسات التي يمكن أن تجمعهما في تغيير اتجاه المتغيرات وتحويلها، بل زادت تعميقها وفرضت حتمية التحرك الأميركي المنفصل لصالح الفصل بين التمسك بحماية ودعم كيان الاحتلال، وبين الحاجة الأميركية لسياسات جديدة لا تتقبّلها قيادة الكيان وتطلب عكسها.
المحور الظاهر من السياسة الأميركية الجديدة، هو تجديد الثقة بالخيارات التي اعتمدتها إدارة أوباما بايدن، بعدما جرى اختبار الخروج منها في ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، والعنوان الأبرز في الخيارات يتصل بالملف النووي الإيراني، وكما أن كل شيء يقول بأن قرار العودة الأميركية متخذ، فإن كل شيء يقول بأن كيان الاحتلال يستشعر الخطر والقلق من هذه العودة.
كيان الاحتلال في مأزق كبير، لأن ما تعرضه واشنطن من حماية للكيان ليس مشروطاً بحماية الخيار السياسي لقيادة الكيان الرافض لمشروع الحل السياسي للقضية الفلسطينية، ولا بحماية الخيارات الأمنية والعسكرية لقيادة الكيان تجاه تحديات جبهات غزة وسورية ولبنان، والتموضع تحت السقوف التي تضمن الحماية الأميركية سيعني تراجعاً نوعياً في موقع ومكانة الكيان في المنطقة، وبالتوازي لم يعد الكيان قادراً على الاستقلال عن الحماية الأميركية، ولا عن التمويل الأميركي، وهو يزداد ارتهاناً لمصادر التمويل والحماية، وبالمقابل يزداد عجز الكيان مع متغيرات المنطقة عن خوض حروب منفردة، من دون شراكة أميركية، أو تسعى لفرض وقائع تستدرج المشاركة الأميركية، فالمجازفة العسكرية قد تنضج سياسياً دفع الكيان للانضواء تحت سقوف سياسية تتبناها واشنطن وتسعى تل أبيب لتفاديها.
على مستوى المنطقة يستشعر قادة الكيان أن الوضع أيضاً لا يتغير، فالحلفاء المشتركون لتل أبيب وواشنطن، والذين كانوا عنوان صناعة السياسة في المنطقة، وفي طليعتهم السعودية يعيشون تراجعاً في أوضاعهم وقدراتهم على المبادرة، بينما مشاريع التطبيع التي سوّق لها قادة الكيان تظهر محدودية تأثيرها السياسي، ويبدأ الحديث عنها بصفتها صورة كاريكاتورية مضخمة، لا تنافس حقيقة كون القضية الفلسطينية غير قابلة للتجاوز، ولا حقيقة كون التهديد الاستراتيجي والوجودي للكيان يأتي من مكان آخر.
2021-02-22 | عدد القراءات 1413