صباح حزين وخجول في القدس امام أحد أئمة الفكر وقائد في القتال ونوع فريد في الخصال ، وصباح القدس الذي يفتقد الأنيس ويفتقد النقاش يعرف انه خسر مدماكا في حجارة العمارة التي كانت تشكل قبلة الأنظار في وعد التحرير ...أنيس نقاش لم يكن محللا سياسيا ولا باحثا او كاتبا كما يصفه البعض بحب ودون انتباه وبطيبة وحسن نية ، فهو قائد يحمل مشروعا فكريا يتقن في خدمته كل المهارات التي يفترض بالقادة إتقانها ، وهو لذلك كان عسكريا وأمنيا وعالما إقتصاديا وأستاذا في علم الاجتماع ومدرسة في الإستراتيجية وأكاديمية إعلامية متنقلة ، فيلسوف ومفكر وقائد صفات لا تفي هذا الأنيس حقه ، وهو الأشبه بإئمة الصوفية في تنسكه للقضية ، وزهده بكل مكسب ومنصب ، وخجله من كل تفخيم وتكريم ، وعندما نقول ان أستاذنا قد رحل فالحديث عن قامة عملاقة تتبعتها أبصارنا في مطلع الشباب مثالا وقدوة ، وتلاقينا معه في منتصف العمر وهو يجلب التعب لمن يجاريه من الشباب ولا يتعب ، دائما تطلعاته عالية السقوف لكنها سرعان ما تتحول الى حقائق ، خطته جاهزة وأدواته حاضرة وبداهته لتعديل ما يجب تعديله في الطريق الى الهدف تقدح شراراتها ، هذا القائد الأممي والمفكر الإسلامي العربي المنذور لفلسطين كان من صنف خاص ، من قماشة خاصة ، بنكهة خاصة ، يصعب تكرارها ويصعب ان تجد لها وصفا فهو أنيس نقاش فقط ، لم ينتبه أحد من رفاقه ومحبيه انه ناهز السبعين ، فالكل كان يتعامل مع هذا العملاق كشاب يتدفق حيوية وطاقة ، أن تقرأ بلا إنقطاع وتكتب بلا توقف ، أن تنام وتصحو على فكرة ، أن تتألم لحلم ، أن تطلق العنان لفكرك يتنفس في الهواء الطلق ، أن لا تبهرك الأضواء ، أن لا تشغلك الأهواء ، أن لا يعنيك المال ، أن تتقدم الصفوف بين الرجال ، أن تكون في الصف الخلفي في كل إحتفال ، أن تتعبد بهدوء وصمت وأنت تفسح في المجال لفكرك أن يتقبل كل مختلف ، أن لا تضع حدا بينك وبين الاخرين إلا فلسطين ، أن تكون وراء الكثير من الإنجازات وتنسبها للشهداء ، أن تنظر للأسفل عندما يحدثك المحبون عن عظمة ما تمثل وتحمر وجنتاك وجلدة رأسك ، ان تتدفق كسيل جارف عندما تؤمن بفكرة وأن تهدأ كليل ساكن عندما يتحدث سيد المقاومة وتدمع له عيناك عندما يرسم معادلة جديدة بوجه العدو هاتفا كما في تظاهرة ، الله أكبر، أن تشاور الكبير والصغير وتتسامح منهم إن أصاب حديثك غضب او إنفعال ، أن لا تنسى تفقد أحوال الأصدقاء في الصراء والضراء ، وأن تجد وقتا كريما بلا منة لكل ذلك ، وتبقى فرحا بشوشا تحمل حماسة العشرين ويقين الثمانين وحكمة الأولياء والقديسين وحب الآباء والأمهات للفقراء والمساكين ، هذا معنى أن تكون ذلك القائد الكبير الخطير العظيم الذي فقدناه ...أنيس نقاش إن قدر لي ان أكون بين الذين يذهبون الى القدس يوم الزحف المقدس سأحمل صوتك على مذياع وانت تبشر بحريتها والى جانب صورتك صور العماد والقاسم فلم تكن تأنس بدونهما ، وقد بكيتك مثلما بكيتهما ، ولعل للرحيل سر في موعد لقاء لم تستطع الغياب عنه وما تخلفت يوما عن موعد - رحمك الله أيها القائد وأمد عائلتك ومحبيك بالصبر للفراق الأليم والمصاب العظيم ... خسرناك يا استاذنا وحبيبنا ورفيقنا وقائدنا وابجدية حرفنا يا بحة حناجرنا في المظاهرات وازيز رصاصنا في المواجهات ...يا انيس حربنا وسيد النقاش...ايها الحبيب حرقت قلوبنا مرتين ابكرت الرحيل عشية حصاد ما زرعت و لأنك منذور للشهادة في فلسطين التي تبكي انيسها واستاذ النقاش ....سيبكيك عماد وقاسم وتبكيك العقول وتنعيك القلوب والمأقي حرى والدمع مهراق والقلوب لوعى واللغة تلعثم والعيون ذهول ...يا حبيبي ساشتاقك يا سيد الاخلاق وشريك الافكار ومبدع المبادرات وفارس الشجعان ورجل كل مرحلة وساح واستاذ السياسة والسلاح سنشتاقك والميادين وفلسطين والمقاومة ....كم كان الشوق والحب للشام يضنيك حتى تعشقها روحك في الهزيع الأخير وتختارها بين من احببت واحبك من عواصم المقاومة ...دائما كنت تقول سورية وشامها وأسدهما خط اشتباكنا المتقدم وعنفوان لن يركع وجبال لن تسقط وشعب مقاتل وجيش لا يقهر وبهم سننتصر ومن مياه طبريا سنعود الى فلسطين ...الى اللقاء ايها الحبيب - – ناصر قنديل
2021-02-23 | عدد القراءات 2722