ناصر قندیل
- لم ینجب المشرق شخصیة عبقریة ونضالیة بحجم أنطون سعادة ، فقد عرف الشرق
أبطالا خاضوا معارك اسطوریة وحققوا إنتصارات تاریخیة ، أو سقطوا في ملاحم
إستشھادیة ، كما عرف الشرق قادة سیاسیین نقلوا واقع كیاناتھ ودولھ من مراحل إلى
مراحل ، وكتبوا سیرتھم بأحرف من نور ، وعرف الشرق قادة حركات مقاومة أنجزوا
ما عجزت الجیوش عن إنجازه ، وعرف الشرق مفكرین وكتاب وفلاسفة ألمعیین
تركوا بصماتھم في الفكر الإنساني ، لكن ھذا الشرق لم یعرف شخصا جمع كل ذلك في
سیرة حیاتھ القصیرة بمثل ما جسدھا أنطون سعادة .
- قدمت عقائد ومشاریع فكریة سیاسیة لشعوب المنطقة ، عالج بعضھا قضیة التحرر من
الإستعمار كأولویة وتفوق قي رسم معاملھا ، وعالج بعضھا قضیة الوحدة وأبدع ،
وعالج بعضھا قضیة العدالة الإجتماعیة وتفوق ، وعالج بعضھا قضیة الأمراض
الإجتماعیة وشكل الدولة القادرة على توحید النسیج الوطني ، فوقع بعضھا في العداء
مع الدین ، ووقع بعضھا الآخر في محاولة توفیق ھشة بین مفھوم الدین ومفھوم الدولة
، لكن التجربة الحیة لكل ھذه العقائد قالت بإستحالة بلوغ مرتبة متقدمة من الإنجاز في
اي من ھذه العناوین ، رغم الإنجاز الأولي المحقق ، ما لم یلاقیھ تناسب في الإنجاز في
العناوین الأخرى ، فكانت عقیدة سعادة وحدھا التي نجحت بتقدیم الأجوبة المتكاملة
على الأولویات المتزامنة والمتلازمة ، وبصورة تفادت خلالھا الوقوع في ثنائیات قاتلة
، فتجاوزت الأفخاخ التي وقع فیھا الاخرون ، فھي متصالحة مع الدین ولیست دینیة ،
وھي مدنیة ولیست إلحادیة ، وھي نوع من إشتراكیة لا تلغي المبادرة الفردیة ، ونوع
من رأسمالیة لا تلغي دور الدولة ، ووحدویة بحدود المدى الجغرافي الأضیق ،
وتحرریة الى المدى الأبعد الذي یمثلھ الیقین بأمة عظیمة ى تعیش عقدة النقص تجاه
الغیر شرقا وغربا ، لكنھا تنطلق في التحرر من فلسطین والصدام الوجودي مع كیان
الإستیطان الغاصب .
- خلال عقود الإحتلال التي عاشھا لبنان ، تعرف اللبنانیون على فكر سعادة حزبا مقاوما
، وخلال عقد المواجھة التي خاضھا السوریون مع الإرھاب عرفوا عقیدة سعادة
منظومة وحدة إجتماعیة وسلم إجتماعي ، ومقاومین یستشھدون الى جانب الجیش
السوري دفاعا عن وحدة وسیادة سوریة ، وفي ذروة الأزمات المحیطة بدول المنطقةإقتصادیا وأمنیا ، قدمت عقیدة سعادة مشروع وحدة الحیاة بین كیانات المشرق ، وما
عرف بالتشبیك الذي دعا إلیھ مفكرون كثیرون لیس إلا بعضا مما قدمھ سعادة .
- عرف سعادة أھمیة الجماعة المنظمة ، وعرف أھمیة دم الشھادة ، فتلازما مع مسیرتھ
قائدا حزبیا وشھیدا لقضیتھ وحزبھ ، وعرف الأخطبوط الداخلي والخارجي الممسك
بالسیطرة على بلاد المشرق مبكرا أن سعادة وفكره وحزبھ خطر داھم ، فتضامنوا
وتفاھموا على التخلص منھ بصورة درامیة لا تزال بصماتھا توقظ ضمائر الأحرار ،
ورغم مضي عقود على ما كتبھ سعادة في كل میدان سیكتشف من یقرأه ومن یعید
قراءتھ ، أنھ كتب لھذه الأیام ، وأن أضعف الإیمان ھو العرفان ، وللعرفان موجبات ،
أولھا دعوة الجیل الشاب للتعرف على مفكر من لحمھ ودمھ یشكل عبقریة إستثنائیة
وشخصیة اسطوریة ، یباھي بھا شعوب الأرض ، ومن العرفان أن ینھض محبو سعادة
وتلامذتھ بما یلیق بالصورة التي یستحقھا لإعادة تقدیمھ مخلصا یحمل مشروعا یستطیع
أن ینھض بلبنان وسوریة وكیانات المشرق نحو التقدم ، وفكر سعادة نسخة علمانیة
غیر مستوردة لا تتعارض مع الإسلام والمسیحیة ، ونسخة إقتصادیة إجتماعیة صنعت
في بلادنا تقدم حلولا جذریة لمشكلاتنا ، ومشروع مقاومة تتسع لكل مقاوم بوصلتھ
فلسطین ، ومشروع وحدة تتسع مع أتباع عقیدتھ ، للقومیین العرب والإسلامیین
والأممین ، فوحدة بلاد الشام توفر لكل ھؤلاء قلعة حرة تتسع لمشاریعھم التحرریة
والوحدویة والإنسانیة
2021-03-02 | عدد القراءات 1637