زیارة البابا إلى العراق : حلف المرجعیات ؟ نقاط على الحروف

زیارة البابا إلى العراق : حلف المرجعیات ؟
نقاط على الحروف
ناصر قندیل
- خلال المرحلة التي أعقبت الحرب العالمیة الثانیة ، لعب الفاتیكان دورا بارزا في 
مواجھة الإتحاد السوفیاتي ، على قاعدة التشارك مع عواصم العالم الغربي وفي مقدمتھا 
واشنطن في العداء للشیوعیة وتصنیفھا عدوا أول ، بالتشارك مع المرجعیات الدینیة 
الإسلامیة التي تبنت مواقف مشابھة ، وبررت علاقات موازیة مع الغرب تحت ذات 
الشعار ، كان ابرزھا التشارك مع الأمیركیین في حرب افغانستان ، حیث كان إتسیلاد 
تنظیم القاعدة المؤسس على العقیدة الدینیة ثمرة تعاون أمیركي سعودي معلن ، في قلب 
ھذا الدور برزت شخصیة كل من البابا بولس السادس الذي أمضى على رأس الكنیسة 
الكاثولیكیة 15 عاما ، تحول خلالھا الفاتیكان الى قوة سیاسیة دولیة بعد المجمع 
الفاتیكاني الثاني عام 1963 الذي حرر الكنیسة من الكثیر من التقالید المحافظة ، 
والأعباء العقائدیة والسلوكیة ، وتلاه البابا یوحنا بولس الثاني الذي قاد الكنیسة لست 
وعشرین سنة ، وكان لھ ید طولى في إسقاط الشیوعیة من بوابة بولندا ، مسقط رأسھ ، 
ودوره في إطلاق ثورتھا التي شكلت فاتحة تطورات إنتھت بإنھیار الإتحاد السوفیاتي 
وسقوط جدار برلین .
- خسر الفاتیكان في عھد الأحادیة الأمیركیة بعد سقوط الشیوعیة مكانتھ عند اللاعب 
الحاكم للعالم ، حیث بدت الكنیسة الإنجیلیة المتطرفة التي ھیمنت على صناع القرار في 
واشنطن كمن یخوض حربا ضد الكثلكة ، سیاسیا وعقائدیا ، فھمش الفاتیكان ومعھ 
ھمشت أوروبا ، حتى بدأ الإعتراف الأمیركي بفشل القطبیة الأحادیة ، وفشل حروب 
الھیمنة ، تأسیسا على الفشل في حربي العراق وأفغانستان ، لیعود في قلب التقییم 
الجدید للسیاسات رد الإعتبار لمكانة الفاتیكان ، الذي كانت قیادتھ قد آلت عام 2004
لشخصیة آتیة من خلفیة لاھوت التحریر للكنیسة الكاثولیكیة في أمیركا اللاتینیة ، لتبدأ 
مع ولایة الرئیس الأمیركي الأسبق باراك أوباما أول عودة فعلیة للفاتیكان الى صناعة 
، وإعلان رفع الحصار عن كوبا عام 2009 . السیاسة ، عبر دور البابا فرانسیس في مصالحة أوباما مع الزعیم الكوبي فیدیل كاسترو 
- خلال سنوات الرئیس الأمیركي السابق دونالد ترامب عانى الفاتكیان من عودة سیاسات 
التھمیش ، الذي طال الدول الأوروبیة والكثلكة بصورة عامة داخل أمیركاو خارجھا ، 
لتعود الحیویة لمكانة ودور الفاتیكان مع وصول الرئیس جو بایدان الكاثولیكي الذي كانشریك الفاتیكان في المبادرات المشتركة في عھد أوباما من موقعھ كنائب للرئیس ، 
والحیویة الجدیدة ترتكز إلى خلاصات كتبھا الرئیس بایدن ، في مقالتھ المنشورة في 
مجلة الفورین أفیرز في نیسان العام الماضي ، وفیھا الدعوة لقوة المثال بدلا من مثال 
القوة ، والإرتكاز إلى ثلاثیة یرید بایدن رفع مكانتھا في مواجھتھ لخصوم واشنطن ، 
ولو عبر تدفیع بعض حلفاء فواتیر باھظى لإسترداد المصداقیة ، والثلاثیة ھي البیئة 
والفساد وحقوق الإنسان ، والأداة التي یرید بایدن رد الإعتبار لھا ھي الدبلوماسیة ، 
وفي قلب الدبلوماسیة یظھر الفایتكان وزراة خارجیة عالمیة یمكن تشارك المھام معھا 
وتشارك الأھداف والسیاسات .
- في ظل تراجع العقائد السیاسیة وتقدم مكانة ودور الدیانات ، كسمة عالمیة جامعة ، 
وفي ظل توسع وإنتشار وسائل التواصل الإجتماعي ، وما یترتب على ھذین العاملین 
من توسع في دور المرجعیات الدینیة ، یتقدم الفاتیكان لملء فراغ سیاسي ودبلوماسي 
فشلت الإستراتیجیات الأمیركیة في التعامل معھ ، وما عاد ممكنا ملؤه بالقوة العسكریة 
ولا بالقوة الإقتصادیة ، ولا بالعقوبات ، والمعضلة اكبرى ھو أنھ یصعب حلھا مع 
الحكومات في ظل تراجع المكانة الشعبیة للحكومات خصوصا في دول المنطقة التي 
تشكل أساس الأزمات الإقلیمیة والدولیة ، بینما تبدو المرجعیات الدینیة أكثر قدرة 
ووزنا وثباتا وإستقرارا ، بینما یظھر الإرھاب من خلفیة الإستثمار على الدین ، بحیث 
یبدو الإستثمار المعاكس على تعزیز مرجعیات تلتزم عقائد الإعتدال ، وفیما ینظر 
الأمیركیون والغرب عموما نحو إیران كقوة صاعدة تستند الى قوة المرجعیة الدینیة ، 
وینظرون الى السعودیة كقوة متراجعة بفعل دورھا في رعایة عقائد الإرھاب ، تتقدم 
ثلاثیة الفاتیكان والأزھر وانلجف ، كمشروع جدي لإدارة الإستقرار في املنطقة ، 
بخطوطھ العریضة التي تسقف الحكومات ، وھي ثلاثیة لا تستفز إیران ، لكنھا تقیم 
توزانا معھا ، وتستبعد السعودیة وتركیا معا ، لكنھا لا تنصب مصر مكانھما ، وتفتح 
الطریق على السنة العرب والشیعة العرب من بوابتین دینیتین معتدلتین ، واحدة 
مطلوب منھا مكافحة التطرف في بیئتھا ، والثانیة أظرھت قدرتھا في الحرب على 
داعش ، وكلیھما وفرت مناخا لحمایة الحضور المسیحي في اشلرق ، الذي كان على 
لائحة الإتسھداف ولا یزال ، لكنھ كان أیضا على لائحة التھمیش الغربي لحساب 
الصفقات السعودیة الغربیة ، ویأتي الفاتیكان لیضع یده على ملف المسیحیة المشرقیة 
مباشرة دون المرور بالكنائس المحلیة ، التي یبدو خطابھا متجذرا في الماضي الذي 
فقد قدرتھ على الحیاة .

2021-03-06 | عدد القراءات 1462