اختبار القوة الحاسم یمني
نقاط على الحروف
ناصر قندیل
- یترافق أعلان النوایا الأمیركي بالخروج من سیاسات المراحل السابقة لعقدین ماضیین
، التي توزعت بین الحروب المباشرة في عھد الرئیس السبق جورج بوش ، والحروب
بالوكالة في عھد الرئیس الأسبق باراك أوباما ، والعقوبات القاتلة في عھد الرئیس
السابق دونالد ترامب ، مع محاولات تلمس خارطة طریق لإتسراتیجیة بدیلة تسعى
لصناعة تفاھمات دولیة إقلیمیة بأقل قدر ممكن من التنازلات التي تمس بھیبة ومكانة
واشنطن العالمیة ، وتأمین ما یلزم لإستراتیجیتھا القائمة على أولویة المواجھة مع
الصین وروسیا ، من بوابة ما وصفھ الرئیس الأمیركي جو بایدن بإستبدال مثال القوة
بقوة المثال ، بعناوین حقوق الإنسان وحمایة البیئة ومكافحة الفساد ، لأن واشنطن
تدرك أن التخفف من أعباء المراحل السابقة بتسویات سیبنى على موازین قوى
أظھرتھا مراحل المواجھة ، كما تدرك أن الترسمل لمرحلة قوة المثال تستدعي تقلیم
أظافر وتحجیم حلفاء رئیسیین یترتب على إضعافھم تراجع النفوذ المیركي لحساب
الخصوم الإقلیمیین ، ولذلك تختبر واشنطن بالتتابع سقوف التفاھمات التي تحاول
تحقیقھا ، وكلما إكشتفت فشل تسویق سقف مرتفع تستبدلھ بسقف أدنى ، وھي محكومة
بالخشیة من دفع أثمان یصعب ترمیم التوازنات ما بعدھا ، أو الفشل بصناعة التفاھمات
بسبب الأثمان المكلفة لھا ، أو تزعزع كیانات حلیفة وتراجعھا بسبب الترسمل على
حسابھا للمھمة المقبلة ، أو ضیاع فرص الترسمل بسبب الحرص عل حمایة ھذه
الكیانات وأدوارھا الحلیفة .
- في الملف النووي الإیراني یتحكم عامل الوقت الداھم على القرار الأمیركي الذي لم
یخف الخشیة من أن ینجم عن طول أمد التفاوض قبل العودة إلى الإتفاق النووي ،
نجاح إیران ببلوغ العتبة الخطرة ، أي عتبة إمتلاك إیران لمقدرات كافیة لإنتاج سلاح
نووي ، وھذا ما یشكل أولویة أمیركیة عالمیة تختلف عن الأولویات الإقلیمیة المتمثلة
بملفات تفرضھا ساحات الإشتباك وتعقیداتھا ، حیث لاخارطة طریق أمیركیة واضحة
بعد لكیفیة التعامل معھا ، وفیما یبدو أن سوریة تمثل أعقد المفات ، لتداخلھا مع الأجوبة
الصعبة على الأسئلة الصعبة ، من نوع كیف سیكون أي تصور لسوریة واقعیا دون أن
یضع في الإعتبار ان میزان القوى لم یعد یسمح بفرض شروط على الدولة السوریة
التي تجازوت مرحلة الخطر ، وحیث روسیا وإیران وقوى المقاومة شركاء في الإنجاز، وكیف سیكون تأثیر اي تصور واقعي على مستقبل أوزان وأحجام روسیا وإیران
والمقاومة ، التي لا یرید لھا الأمیركي أن تتعزز ، وكیف سیكون تاثیر أي تصور
واقعي لسوریة على كل من "إسرائیل" وتركیا ، ولكل منھما ملف خاص وحساس في
رؤیة الأمن والدور ضمن اي إتسارتیجیة أمیركیة للمنطقة ؟
- یبدو أن الملف الیمني ھو الملف المتقدم والأشد قدرة على رسم توازنات یمكن التأسیس
علیھا لملفات أخرى في الرؤیة الأمیركیة ، وفقا للإختیار الأمیركي الذي بدأ مقاربة
أوضاع المنطقة بمقاربة الملف الیمني من عدة زوایا ، واحد یتصل بإعلان واضح
بالدعوة لوقف الحرب وتوصیفھا ككارثة إنسانیة یجب ان تتوقف وتحمیل السعودیة
والإمارات مسؤولیة إستمرارھا ، وترجمة ذلك بإعلان وقف صفقات السلاح الأمیركي
إلى حكومتي البلدین ، وثان یتصل بالتقرب من أنصار الله عبر إلغاء تصنیفھم على
لوائح الإرھاب ، والثالث بإرسال وفد أمیركي إلى عمان لحوار أنصار الله ، وھذه
المقاربات الأمیركیة رغم وضوحھا تبدو إختبارات تجریبیة لما یكن أن ترسو علیھ
التوازنات التي ستكون ذات ـاثیر موضوعي ومعنوي على سائر ساحات الإشتباكات ،
بحیث یبدو حجم المسافة المیركیة من الحیلف السعودي مؤشرا یارقبھ سائر الحلفاء في
تل أبیب وأنقرة ، وصولا إلى منظمة قسد ، ومشروع الدویلة الكردیة شمال شرق
سوریة ، وبالمقابل یمثل حدود ما یمكن قبولھ في العلاقة مع أنصار الله مؤشرا یمكن
القیاس علیھ لما سیكون ممكنا قبولھ من خصوم واشنطن في ساحات أخرى كسوریة
ولبنان وسواھما ، والفشل في التوصل لتفاھمات تنھي الحرب في الیمن كما النجاح
مؤشرات لمستقبل المقاربة المیركیة في سائر الساحات .
- یشھد الملف الیمني سخونة غیر مسبوقة ، وإستثمار الحد الأقصى لأوراق القوة من
الطرفین السعودي والیمني ، والأكید أن التوازنات التي سیرسو علیھا مستقبل المواجھة
، على جبھة مأرب من جھة ، وتوزان الدرع الصاروخي من جھة مقابلة ، سیكتب
تاریخ الیمن والخلیج وربما المنطقة بأسرھا .
2021-03-09 | عدد القراءات 1435