لبنان بعد كلام قائد الجیش :
تفكك الدولة ام تحرك الدولة العمیقة ؟
نقاط على الحروف
ناصر قندیل
- سیبقى الكلام غیر المألوف الصادر عن قائد الجیش العماد جوزف عون موضوعا
للكثیر من التحلیلات ، طالما بقي التدھور في الحال المعیشیة بغیاب القدرة على تولید
حكومة جدیدة ، وما یعنیھ إجتماع ھذین العاملین من فراغ أسود یبشر اللبنانیین بالأسوأ
ویدفعھم الى الغضب الیائس الذي یسیطر على مشھد الشارع ، بغیاب أي رؤیة لفرص
خروج من الأزمة عبر الرھان على قوى قادرة على قیادة الشارع نحو رسم مسارات
جدیدة واقعیة تعكس إتجاه تطور الأحداث دون المخاطرة بالسلم الأھلي ، الذي یتصدر
الجیش اللبناني مشھد الأمل بضمان الحفاظ علیھ .
- یقول قائد الجیش عملیا أنھ لیس مؤسسة الدفاع عن النظام السیاسي ، وأنھ كیان مستقل
سیاسیا عن الذین توجھ لھم بالسؤال ، لوین رایحین ، وأنھ یعرف واجباتھ في كیفیة
الحفاظ على الأمن ولا یحتاج دروسا من أحد حول ماذا یجب ان یفعل ، خصوصا ان
الذین یوجھون لھ التعلمیات متھمون وفقا لكلام قائد الجیش بعدم معرفة واجباتھم ،
وعدم القیام بما یجب علیھم فعلھ ، ویقول قائد الجیش عملیا أن الجیش ضحیة من
ضحایا التضییق المعیشي والمالي الذي یتعرض لھ منذ زمن طویل على أیدي
السیاسیین ، مثلھ مثل سائر شرائح الشعب اللبناني الذین یصرخون الیوم وجعا وغضبا
، وھو بذلك یتماھى مع الشارع في الأھداف وتوصیف أین یضع قدمیھ ، ولو أنھ لا
یتبنى أجندة خاصة بھ للخروج من الأزمة ، لكنھ یعلن رفضھ الطاعة العمیاء لأوامر
تملیھا الأجندة السیاسیة للقیمین على النظام ، ولو بدا ذلك نوعا من الخروج على
الدستور والقوانین ، التي تضعھ تحت إمرة السلطة السیاسیة ممثلة بمجلس الوزراء ،
مستقویا بغیاب مجلس وزراء أصیل لیقول ھذه اللا ، متحدیا ضمنا ، شكلوا مجلس
للوزراء وبعدھا أعطونا أوامركم ، وحتى ذلك التاریخ ، منعرف شغلنا .
- یقع كلام قائد الجیش في منزلة بین منزلتي ، التعبیر عن تفكك الدولة ، وظھور الدولة
العمیقة ، وفي لبنان الطائفي المعقد ، ثمة خصوصیة للتفكك في المراحل الإنتقالیة
تجعل التفكیر في المؤسسات الكبرى بمحاولة تحییدھا عن دفع أثمان التصادم بین
خطوط التموضع السیاسي ، وفي مقدمتھا الجیش ، بقبول مظھر من تفكك الدولة أقلخطورة من مظاھر أخرى للتفكك تتمثل بتشظي المؤسسات طائفیا ، وبالتوازي ھناك
خصوصیة لمفھوم الدولة العمیقة في بلد طائفي معقد ، حیث سقف ما یمكنھا ھو الحفاظ
على خصوصیة تتیح رفع الصوت عالیا ، لكنھ لا یتیح رسم مسارات تصل الى نھایاتھا
في التحرك نحو وضع الید على السلطة ، لكن وفي الحالتین لا یمكن فصل ھذا القدر
من "الإستقلال" ، عن ما یتصل بتشكیل مقدمات لما سیكون على الطاولة داخلیا
وخارجیا في مقابة إتسحقاقات دستوریة قادمة ، وفي مدقمتھا الإستحقاق الرئاسي الذي
یشكل دائما مفتاح مقاربة رسم التوازنات الجدیدة للبلد داخلیا وخارجیا .
- الموقف ھو لحظة في سیاق تراكمي ، فمثلما كانت المواقف الرافضة للتصادم مع
المقاومة ،عام 1993 ، ودوره المساند لشباب أرنون في مواجھة الإحتلال ، وصولا
لدور الجیش في صناعة تفاھم 96 ، مقدمات رسمت مسار العماد إمیل لحود نحو قصر
بعبدا ، شكلت معارك نھر البارد والموقف خلال تحركات 14 آذار ، ولاحقا في 7أیار
، مقدمات رسمت مسار العماد میشال سلیمان نحو قصر بعبدا ، ویعتقد البعض أن
مواقف العماد جوزف عون في حرب الجرود ، و خصوصیة دور الجیش كمؤسسة
موثوقة في بلسمة الجراح بعد تفجیر مرفأ بیروت ، وصولا لھذا الموقف بالسقف
المرتفع ، مقدمات ترسم مسار العماد جوزف عون نحو رئاسة الجمھوریة ، بینما یرى
آخرون أنھ بعد الإصابة التي لحقت بحاكم مصرف لبنان بعد تصدره مشھد الإستقلال
المؤسساتي وجعلتھ عاجزا عن التقدم كمثال للتمیز ، بسبب مسؤولیتھ عن السیاسات
النقدیة وتثبیت سعر الصرف والفوائد العالیة والھندسات المالیة ما جعلھ ھدفا للشارع ،
وبعد فشل محاولة التمیز التي قدمتھا تجربة المحقق العدلي فادي صوان ، لتقدیم القضاء
كخط أمامي یلاقي الشارع في الإشتباك مع الوسط السیاسي ، یتقدم العماد جوزف عون
لملء ھذا الفراغ ، في تموضع مفتوح على الإحتمالات ، خصوصا إذا طالت مدة
الفراغ الحكومي وتصاعدت مفاعیل الأزمة الإقتصادیة والمالیة وتردداتھا الإجتماعیة ،
وتنامت حالة الغضب في الشارع .
- ھذا الوضع المستجد سیدفع بكل اللاعبین المحلیین والخارجیین لإعادة تقییم خطواتھا
وحساباتھا ومواقفھا ، سواء تجاه دورھا في الشارع ، أو سقوف تعاملھا مع الملف
الحكومي ، سواء بخلفیة سحب الفتائل التي أشعلت مواقف قائد الجیش أو لتحفیزھا
وتسعیرھا .
2021-03-10 | عدد القراءات 1352