الأميركي بطة عرجاء والزمن الصيني الروسي الإيراني لا يرحم
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يظهر شهران من عمر ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن ملامح خطته الإستراتيجية ، القائمة على السعي لتبريد النزاعات التي أشعل فتائلها الرئيس السابق دونالد ترامب ، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط ، حيث لا منافس إستراتيجي للأميركي ، ولو إقتضى ذلك الإنخراط في تسويات مع خصوم إستراتيجيين كإيران ، تحت شعار العودة للإتفاق النووي أولوية ، كما صرح بايدن وأركان إدارته ، بهدف التفرغ لمواجهة التنافس الإستراتيجي مع كل من الصين وروسيا ، كل على جبهة ، لكن التجربة أظهرت خلال الشهرين بطء الحركة الأميركية من جهة وإرتهانها لحسابات أميركية داخلية ، ورهانها على لعبة التذاكي في بحث الخطوة الأولى ومن يبدأ مسيرة العودة للإتفاق النووي ، واشنطن أم طهران ، بحيث بدا وفقا لتوصيف وزير الخارجية الأميركية توني بلينكن ان طهران مرتاحة على وقتها ، وتمضي سريعا نحو ما يسميه الأميركيون "الإقتراب من لحظة إمتلاك مقدرات إنتاج سلاح نووي " ، وبدا أن بكين وطهران وموسكو على درجة عالية من اليقظة للتذاكي الأميركي بمقايضة التسويات بالمواجهات ، كدواسة البنزين والكابح ، مرة هنا ومرة هناك .
- لا تبدو أميركا مختلفة كثيرا عن أوروبا ، التي أضاعت عامين ذهبيين كانت إيران جاهزة خلالهما لتوقيع عقود تعاون إستراتيجي إقتصادية بمئات مليارات الدولارات مقابل إلتزام أوروبي بموجبات التوقيع على الإتفاق النووي ، وخسرت ما كانت قد حازته سابقا مع توقيع الإتفاق ، لأنها ضبطت إيقاع خطواتها على تحرك الأقدام الأميركية ، ويبدو الأميركيون والأوروبيون منقطعين عن الواقع ، لا ينتبهون أنهم يتعاملون مع روسيا جديدة وصين جديدة وإيران جديدة ، فيقاربون القضايا الجديدة بعقلية قديمة ، ويعتقدون أنهم اللاعب الذي يملك حق النقلة الأولى ، ويرسم عبرها سياق المباراة ، فيتوهمون ثلاثة أشياء خاطئة ، يتوهمون أنهم قادرين على إنجاز تسوية مع إيران على توقيتهم ، وبشروطهم ، ثم يتوهمون أنهم قادرين على إغراء إيران بالتسوية لتبتعد عن الصين فيستفردونها ، ثم ثتوهمون ثالثا أنهم قادرين على إغراء إيران وإحتوائها والإتسفراد بالصين لعرض تسويات جزئية على روسيا ، بشروط تقوم على المساومة على دور إيران وحلفائها ، خصوصا في سورية ، ولم ينتبه الأميركيون ، وصدق الأوروبيون روايتهم ، ولم نيتهوا مثلهم ، إلى أن بكين وموسكو وطهران قد بدأوا يتصرفون كحلف قيادي لثلاثي آسيوي يرسم مصالح القارة وجغرافيتها السياسية والإقتصادية ، ويعرض على واشنطن وحلفائها أحجاما وأدوارا تتناسب مع حاصل المتغيرات التي حملها العقدان الأخيران .
- تقول وثيقة زعامة القرن الواحد والعشرين الأميركية ، التي أعدها المحافظون الجدد ، أن مواجهة العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين ستقرر مصير القرن ، وها هي تقرر ، فروسيا والصين وإيران منذ أربعة عقود يرون أن الإهتمام الأميركي بأفغانستان كان في أحد وجوهه هادفا لمنع تلاقيهم ، الذي توفره الجغرافيا الأفغانية ، ويدركون أن آسيا القارة التي تمثل ثلاثة ارباع العالم ، في كل شيئ ، قد نضجت إقتصاديا وإنتاجيا وماليا وعسكريا وسياسيا لتتصرف ككيان مستقل تجمعه المصالح المشتركة ووحدة الجغرافيا ، فوفقا لمعيار الناتج الإجمالي بأسعار الإستهلاك أصبحت الصين الدولة الأولى بناتج 25 تريليون دولار لعام 2018 ، المعتمد من البنك الدولي ، وليس 14 تريليون كما يظهر حساب الناتج وفقا لمعادل سعر صرف الدولار الأميركي ، مقابل 20 تريليون لأميركا ، وروسيا وفقا لتقديرات حلف الناتو قد تخطت لحظة التوازن العسكري التقليدي والإستراتيجي مع القدرة العسكرية الأميركية ، ووقف سباق التسلح صار مصلحة غربية ، بينما إيران تمسك بالمنطقة الأهم في العالم التي يمثلها الشرق الأوسط ، بعد عقدين من المواجهة المستحيلة التي خاضتها واشنطن وحلفائها وإنتهت بالفشل ، ووفقا لقراءة موسكو وبكين وطهران أن آسيا التي تشكل روسيا أقصى شمالها وتشكل الصين أقصى شرقها ، تشكل إيران قلبها الأكثر إستقرارا ، ورغم ما تملكه واشنطن من قواعد وتحالفات في آسيا فهي قد صارت قوة هامشية ، تقاتل على خطوط الجنوب والغرب ، بينما قواعدها في تركيا والسعودية وأذربيجان وأفغانستان والعراق وكوريا الجنوبية صارت عبئا عليها ، وعلى جبهات الغرب تواجه أميركا روسيا شمالا في بحر الشمال ، وتتراجع ، ووسطا تواجه أميركا في سورية وتخسر ، وجنوبا تواجه أميركا في اليمن وتخسر ، وعلى جبهة الجنوب الشرقي تكفي كوريا الشمالية لإنشاء توازن ردع مقابل حلفاء واشنطن مجتمعبن .
- يأتي إتفاق التعاون الإستراتيجي الإقتصادي بين الصين وإيران من جهة ، وإتفاق التعاون السياسي والعسكري الإستراتيجي بين إيران وروسيا من جهة أخرى ، عنوانا للعالم الجديد الذي لا تنتبه له واشنطن والعواصم الأوروبية ، فزمن البيع والشراء الأميركي بين العواصم مع واشنطن ، ليساوم الحليف على حليفه ويبيع الواحد فروة رأس الآخر طلبا لينجو بفروة رأسه هو زمن ولى ، والسرعة التي يسير بها الثلاثي الآسيوي لا يشبهها بطء البطة العرجاء الأميركية ، فيأتي دائما متأخرا ، وعندما يريد التصحيح ، يكون الزمن قد فات .
2021-03-29 | عدد القراءات 1952