واشنطن تخسر حروب الشبكات في آسيا ...وإيران قلبها الإستراتيجي نقاط على الحروف

واشنطن تخسر حروب الشبكات في آسيا ...وإيران قلبها الإستراتيجي

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- تكفي نظرة على المشهد الآسيوي من موقع عيون الجغرافيا السياسية ، لرؤية أن القوتين الدوليتين الصاعدتين في آسيا ، الصين وروسيا تقعان في الجغرافيا على أقصى الطرفين الشمالي والشرقي ، وتواجهان رياح الغرب وتتأثران بها مباشرة ، بالتماس الروسي الأوروبي المباشر عبر بحر البلطيق ، والتماس الصيني عبر بحر الصين مع اليابان وأوستراليا أو مباشرة عبر كوريا الجنوبية ، بينما تشكل إيران قلب آسيا الإستراتيجي المستقر ، حيث لا دولة أخرى في آسيا تملك ما تملكه إيران من موقع القلب في وسط أكثر من عشرين دولة آسيوية ، بين دول شكلت تاريخيا جزءا من بلاد فارس ولا يزال بعضها ينطق بالفارسية ، ودول تشاطئ إيران عبر بحر قزوين والخليج ، ودول تملك حدودا برية مباشرة مع إيران ، بحيث نكاد  لانجد دولة آسيوي تبعد عن إيران أكثر العبور بدولة أخرى ، وفي حالات نادرة بدولتين فقط ، ما أتاح لإيران عبر التاريخ مكانة ودورا كبيرين ، ويمنحها اليوم الفرصة للتكرار .

- ينظر الأميركيون بعين العناية للثلاثي الروسي الصيني الإيراني ، قبل تفكك الإتحاد السوفياتي وبعده ، ويقول مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغينو بريجينسكي الذي رعى إستيلاد تنظيم القاعدة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ، أن أحد أبرز أسباب الإهتمام الأميركي بأفغانستان هو كونها الرابط الجغرافي المباشر لثلاثي روسيا والصين وأفغانستان ، وبعد أربعين عاما يقول مستشار الأمن القومي الحالي جاك سوليفان ، أن أحد أسباب التردد بالإنسحاب من أفغانستان لا يزال الخشية من تحولها الى نقطة تلاقي بري مباشر بين الثلاثي الآسيوي الصاعد ، روسيا والصين وإيران ، لكن من يتابع عن كثب التطورات الاسيوية سيكتشف ان حروب الشبكات التي شهدتها آسيا خلال ثلاثة عقود أعقبت سقوط جدار برلين وإنهيار الإتحاد السوفياتي ، قد حسمت بعكس الرغبة الأميركية ، ولم يعد ممكنا العودة بها إلى الوراء .

- خاضت واشنطن حروب أربعة أنواع من الشبكات للسيطرة على آسيا ، الأولى هي شبكة القواعد العسكرية التي توزعت من أفغانستان الى كوريا الجنوبية وباكستان واليابان وصولا الى السعودية وقطر وتركيا وأذربيجان ، والعراق ولاحقا سورية ، وليس صعبا إكتشاف ان هذه القواعد لم تشكل اساسا لتوسيع النفوذ وإحكام السيطرة ، بل تحول بعضها الى أعباء يجب على السياسات البحث عن سبل حمايته كالسعودية وقطر ،  أو التفكير بإغلاقه ، كأفغانستان و العراق وسورية ، أو البحث بمبررات بقائه كتركيا وأذربيجان وباكستان ، والشبكة الثانية هي شبكة أنابيب النفط والغاز ، التي شكل أنبوب كازاخستان – تركيا ، أهمها ، وقد تجاوزته التطورات التجارية في مجال الطاقة ، ومشروع أنبوب قطر لنقل الغاز الى اوروبا عبر سورية ، الذي بقي على الورق بسبب خسارة الحرب على سورية ، ومشروع أنبوب الغاز المصري الإسرائيلي اليوناني القبرصي نحو أوروبا الذي يواجه أسئلة حول الجدوى الإقتصادية ، وحول الشروط القانونية الآمنة ، بسبب ترسيم بحري بين تركيا وليبيا يقطع عليه طريق أوروبا ، أما الشبكة الثالثة التي راهنت عليها واشنطن في مرحلة الربيع العربي وما تلاها في الحرب على سورية ، فهي شبكة تنظيم الأخوان المسلمين وتنظيم القاعدة ولاحقا داعش ، ويعترف الأميركيون اليوم بفشل هذه الشبكة بتحقيق إنجازات ، رغم إمتدادها  وإنتشارها عبر العديد من دول آسيا ، وصولا لأفريقيا ، أما الشبكة الرابعة التي حملها الأميركيون تبعات فشل حروب شبكاتهم الأخرى ، وراهنوا على تعويض هذا الفشل عبرها ، وهي شبكة العلاقات المصرفية التي تمثل واشنطن عقدتها الدولية الأهم ، ونتج عن الإفراط الأميركي في إستثمار هذه الشبكة تحت عنوان العقوبات ، بدء خروج كتل ىسيوية كبرى إقتصاديا ، من مظلة الدولار نحو بدائل مثل التبادل العيني او بالذهب أو التبادل التجاري بالعملات الوطنية ، كما أعلنت روسيا والصين  وإيران ، ولا يمكن النظر للتوجه الأميركي الأوروبي نحو إعادة تفعيل الإتفاق النووي مع إيران إلا بصفته إعترافا صريحا بفشل سياسة العقوبات ، وعبرها فشل الإستثمار على الشبكة المصرفية لدرجة تحول الإستثمار الى سبب لتهديد فائض القوة الذي يمثله الحضور الأميركي في النظام المصرفي العالمي .

- خلال عشر سنوات نهضت شبكات إستراتيجية أخرى ، تقف وراءها روسيا ولاصين وإيران ، وهي تتمدد على مساحة آسيا وتتكامل في تأثيراتها ، أولها شبكة الأس 300 والأس 400 ، التي تمثل شبكة أمن إستراتيجي تتميز بقدرتها على التواصل فيما بينها عن النماذج الأميركية والغربية الموازية ، وهي شبكة تمتد من روسيا والصين والهند وإيران وتركيا وسورية ، بما يتيح مسح امني عسكري للبر والبحار والمحيطات على مساحة آسيا تقريبا ، وتشكل مصدر قلق أميركي مستديم لم يفلح بثني تركيا والهند عن إمتلاكها رغم المغريات والعقوبات ، وبالتوازي شبكة تجارية صينية تترجم موانئ وخطوط سكك حديد وطرق من سيرلانكا الى باكستان وماليزيا وإيران وصولا الى سورية وتركيا وروسيا ، أما الشبكة الثالثة فهي شبكة أنابيب الغاز والنفط التي تمتد من إيران الى الصين ومقابلها من ورسيا الى تركيا ، وبالتوازي تطلع روسي نحو قطر ومصر لإحتواء المصالح التي تعقدت بربطها بالشبكات الأميركية ، أما الشبكة الرابعة فهي شبكة حركات المقاومة التي تشكل إيران مركزها وتمتد من العراق الى سورية ولبنان وفلسطين وباكستان وأفغانستان واليمن ، بحيث تغطي الشبكات معا ، مساحة آسيا تقريبا .

- يأتي الإتفاق الصين الإيراني الإستراتيجي ، رغم أهميته الفائقة على الصعيد الثنائي الإستراتيجي ، لتفتح الأفق لتحويل إيران إلى قاعدة إرتكاز لتقاطع الشبكات الأربعة كمحطة لتعميم تشارك هذه الشبكات على مساحة آسيا ، ففي سورية حيث تلتقي شبكتا الس 400 و300 مع شبكات المقاومة ينتظر وصول الشبكة الصينية الإقتصادية ، وظهور مسارات لشبكة الأنابيب ، وفي العراق حيث تتواجد شبكة المقاومة يستعيد العراقيون الأسئلة عن أسباب التخلي عن الإتفاق الإستراتيجي مع الصين وعن شبكة الأس 400 ، وفي لبنان أسئلة مشابهة تحتاج أجوبة يقدمها المستقبل .

- بعيون هذا المشهد الجديد يمكن قراءة العودة الأميركية الى الإتفاق النووي الإيراني بمعان أخرى ، كما يمكن التخفيف من الأوهام حول طبيعة التوجهات الإقتصادية التي تعبر عن توجهات تحاكي مستقبل التطورات .

2021-04-06 | عدد القراءات 1772