مرسوم الحدود البحرية : كلام عقلاني في زمن اللاعقلانية
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يشكل الحديث عن مرسوم تحديد المنطقة الإقتصادية البحرية الخالصة للبنان عنوانا سياسيا راهنا ، وسط رأيين واحد مصرح به علنا وآخر يتم تداوله في الكواليس ، الأول المعلن يقول ان خط الفرز بين الوطنية والخيانة يتمثل بالسير بمرسوم تعديل الحدود البحرية ، منعا لبقاء المرسوم السابق الذي يعتمد منطقة إقتصادية خالصة تعادل ثلث المنطقة التي تظهرها الخرائط الجديدة المعتمدة من قيادة الجيش اللبناني ، وبقاء المرسوم السابق الذي تم إيداعه لدى الأمم المتحدة قيد على الوفد المفاوض على حدود جديدة ، هذا عدا عن ان بقاء المرسوم السابق ساري المفعول سيقطع طريق أي إحتجاج أو إعتراض على قيام كيان الإحتلال بالتنقيب في مناطق داخل المنطقة الإقتصادية الجديدة ، ويفقد اي محاولة لمنع هذا العمل العدواني مصداقيته .
- بالمقابل يقوم الرأي الآخر على إعتبار إصدار مرسوم جديد وإيداعه لدى الأمم المتحدة ، سابقة لا يمكن القيام بها من دولة في حال تفاوض ، إلا في إحدى حالتين قبل بدء المفاوضات أو بعد فشلها ، لأنه عمليا يعلن ان هذه الحدود الجديدة غير قابلة للتفاوض ما يطرح سؤال مبرر الإستمرار بالمفاوضات بعد إيداع المرسوم الجديد ، أو على الأقل السؤال من سيتحمل مسؤولية أي تنازل في التفاوض ولو بسنتيمتر واحد عن الحدود التي رسمها المرسوم ، وماذا سيكون وضع المقاومة التي تعهدت حماية أي حدود تعلنها الدولة عبر مؤسساتها حدودا سيادية ، وعند أي خط حدودي سترسم سقف حمايتها ، الحدود التي ينص عليها المرسوم ام تلك التي تصل اليها المفاوضات ، والساؤل الأهم هو هل مصلحة لبنان بوقف التفاوض ، وهل يستغني لبنان عن إستثمار حقوقه في الغاز إذا تجمد التفاوض ، أم النتيجة الطبيعية ستكون وقفا مؤقتا للتفاوض وللإستثمار ، ثم العودة للتفاوض تحت ضغط الحاجة والمصلحة ، والقبول بما دون ما ينص عليه المرسوم فيخرج كيان الإحتلال منتصرا ، وينكسر لبنان ومعه مقاومته !
- بين الرأيين ثمة مداخلة دستورية تقول ان الحدود البرية قد أدرجت بمادة دستورية ، حيث نصت المادة الأولى من الدستور على هذه الحدود بالتفصيل ، ويومها لم يكن ثمة أصول لوضع الحدود البحرية للدول ، وفي ظل تغير القواعد القانونية لترسيم الحدود وظهور قاعدة الحدود البحرية ، صار لزاما ضم هذه الحدود الى المادة الأولى من الدستور ، ما يستدعي الإنفتاح على فرضية تتضمن بلوغ هذه المرحلة ، بعد تثبيت هذه الحدود البحرية جنوبا وشمالا بصورة نهائية ، والإبتعاد عن أي صيغ قانونية ملزمة تكون قابلة للتعديل ولو جزئيا قبل ان تستقر على وضع نهائي ، سيكون ملزما تضمينه للدستور بموجب مشروع قانون دستوري ، ولذلك يجب البحث بصيغ تحفظ الحقوق اللبنانية وتحقق المرتجى من خارج التجاذب السياسي ، وبعيدا عن مزايدات تنتهي بإضعاف موقع لبنان وتظهيره منكسرا عند أي نتيجة تفاوضية ، أو تضعه خارج التفاوض .
- بين الرأيين ثمة رأي ثالث يقول بأن يعتمد لبنان بديلا عن المرسوم المقترح ، مراسلة توجهها وزارة الخارجية الى الأمين العام للأمم المتحدة ، بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء ، ولو بمرسوم ، لكنه ينص على أن تتضمن المراسلة إبلاغ لبنان للأمم المتحدة تعليق العمل بالمرسوم السابق وما تضمنه من خرائط ، وإيداع الخرائط الجديدة بصفتها حاصل الدراسات القانونية والتقنية للخبراء اللبنانيين ، وطلب المعونة التقنية الأممية وفقا للقانون الدولي لتدقيق هذه الخرائط ، وتحذير كيان الإحتلال من اي تحاوز لها والتنقيب داخلها ، حتى يتم تثبيت الحدود النهائية للمنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان وتوثيقها لدى الأمم المتحدة ، ويعتقد أصحاب هذا الرأي الثالث أنه يضمن الحفاظ على حقوق لبنان التي يريدها اصحاب المرسوم ، ويحفظ حق لبنان التفاوضي وجعل كل نتيجة ينتهي اليها الوفد التفاوضي الذي يجمع وراءه اللبنانيون إنجازا وطنيا ، ويجعل الخرائط الجديدة في حال الفشل التفاوضي وإعلان الإنسحاب منها ، حدودا نهائية تتخذها المقاومة سقفا لإلتزامها بالحماية ، دون أن يضعها في إحراج المفاضلة بين ما ينص عليه المرسوم وما تنتهي اليه المفاوضات !
- في زمن اللاعقلانية قد يكون ثمة مساحة لعقلانية تميز القاضايا الإسترتجية عن القضايا التي يسمح بالزج بها في اللعبة السياسية الداخلية ، وربما في ألاعيب خارجية تحت الطاولة تتم عبر غض النظر عن مواقف في ظاهرها تشدد وفي نهايتها إحراج وربما إنكسار ، تمنح كيان الإحتلال إنتصارا ، بخلاصة التفاوض ، بينما الواجب يقتضي حفظ موقع لبنان منتصرا بكل ما ينجح بتثبيته من مكاسب حدودية يحققها ويرتضيها الوفد المفاوض الذي يحظى بعلمه ووطنيته بالإجماع .
2021-04-12 | عدد القراءات 1515