سورية وعيد الجلاء مرة ثانية نقاط على الحروف ناصر قنديل

سورية وعيد الجلاء مرة ثانية 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- يعتقد الكثيرون ان مسار الإستقلال عن الإحتلال الفرنسي وجلاء القوات الفرنسية عن لبنان وسورية كان واحدا ، بمثل ما يعتقدون بأن مسار الإنتداب كان واحدا ، ولذلك  لاينتبه الكثيرون إلى أن اللبنانيين يحيون يوم 22 تشرين الثاني كعيد للإستقلال نسبة الى 22 تشرين الثاني عام 1943 ، اليوم الذي أفرجت فيه سلطات الإحتلال الفرنسي عن رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح وإعلانها القبول بإستقلال لبنان ، ويكاد يسقط من التاريخ يوم 31 كانون الأول 1946 ، وهو يوم جلاء الإحتلال الفرنسي غن لبنان ، بينما يحتفل السوريون بيوم 17 نيسان 1946 بصفته اليوم الوطني لسورية ، وهو موعد جلاء الإحتلال الفرنسي عن سورية ويكاد ينسى من تاريخهم يوم 14 آذار 1936 كيوم للإعتراف الفرنسي بإستقلال سورية  .

- الفارق الأول يبدأ من مسار الإنتداب الواحد على البلدين ، وقد قام على توحيد لبنان وتقسيم سورية ، فتوزاى الإعلان عن سلطات الإنتداب مع إعلان لبنان الكبير بضم جبل لبنان والمحافظات الأربعة ،  مع إعلان تقسيم سورية الى عدة دويلات ، وردت في ذات قرار الجنرال غورو لإعلان لبنان الكبير ، فاليوم الذي يحي فيه اللبنانيون ذكرى مئوية لبنان الكبير كيوم وطني لولادة لبنان السياسي الجديد ، يعتبره السوريون يوما أسودا أعلن فيه تقسيم سورية الى دويلات منفصلة هي وفق التسميات التي وردت في القرار نفسه بالإضافة لدولة لبنان الكبير كل من دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ودولة جبل الدروز ولواء الإسكندرون المستقل الذي منح للأتراك لاحقا في إتفاقيتي لوزان وسيزر ، فكان لبنان الكبير الموحد جمعا لخمسة ولايات وكانت الدويلات السورية الخمسة تقسيما لسورية الواحدة ، ومثلما كان على لبنان خوض غمار مخاض بناء وحدة وطنية في الكيان الوليد في ظل مواقف متباينة لمكوناته من التعامل مع الإحتلال الفرنسي وإعلان لبنان الكبير ، كان على السوريين ترجمة موقفهم الموحد المقاوم للإحتلال الفرنسي عبر النضال لإسقاط الدويلات التي قسمت سورية ، لإستيلاد سورية الموحدة ، التي تكرست بقوة المقاومة يوم الجلاء في 17 نيسان ، رغم ولادة الإطار السياسي لسورية الموحدة مع معاهدة 1936 التي إعترفت بموجبها فرنسا بالدولة السورية الموحدة في مفاوضات قادها فارس الخوري وجميل مردم وسعدالله الجابري ، بعد ثورة مسلحة إمتدت لأكثر من خمسة عشر سنة وعصيان مدني توج بالإضراب الستيني الذي عم كل الأنحاء السورية ، وشملت المواجهة خلال عقد ونصف كل الأراضي السورية وسقط فيها أكثر من أربعة آلاف شهيد ، بدأت بإستشهاد وزير الدفاع السوري يوسف العظمة في ميسلون (1920) وإنتهت بقصف البرلمان السوري وما عرف بمجزة دمشق (1945) وبينهما قصف دمشق بالطائرات عام 1925  .

- تمكن اللبنانيون من صياغة إطار سياسي لوحدة لبنان الكبير في ظل الإنتداب وصولا لطلب الإستقلال ، بعد مشاركة المحافظات الأربعة التي رفضت الإنضمام الى لبنان الكبير في الثورة السورية عام 1920 ، ليبدأ مسار سياسي غابت معه هذه المقاومة تدريجيا بعدما أعدم أحد قادتها ادهم خنجر 1922  و وتوفي شريكه في قيادة المقاومة صادق الحمزة 1926 ، لينطلق مسار سياسي بين اللبنانيين لإستلام الدولة التي أنشأها الإحتلال وتضمنت صيغة لوحدتهم ، فيما تمكن السوريون من صياغة مشروعهم للمقاومة واستعادة الوحدة في مواجهة مفتوحة سياسية وشعبية وعسكرية مع الإحتلال الفرنسي ، لإسقاط الدويلات التي أنشأها الإحتلال وإنتاج دولتهم السورية الدستورية الموحدة ، فكان عبد الرحمن الشهبندر وسلطان باشا الأطرش وابراهيم هنانو وصالح العلي وفوزي القاوقجي واخرين في كل انحاء سورية ، وصولا لإلزام الإحتلال بالإعتراف بوحدة سورية وإستقلالها ، ويصير إطار الدولة السورية أحد عناوين المواجهة السياسية للإحتلال طلبا للجلاء ، فيما المقاومة الشعبية والمسلحة مستمرتان عاملا رئيسيا وحاكما للمسيرة الوطنية السورية حتى تحقق الجلاء في نيسان 1946 .

- الذي لا ينتبه له البعض هو أن التاريخ السوري ليس منفصلا عما يعيشه السوريون اليوم من جمع لمعركتي الوحدة والجلاء ، ومثلما كان في النصف الأول من القرن الماضي هناك من يركب موج الإحتلال والتقسيم بشعارات الخصوصية والحرية والليبرالية والطائفية ، يتكرر المشهد اليوم ، ومثلما شكلت الدولة السورية الموحدة إطارا سياسيا ودستوريا لتمسك السوريين بإستقلالهم ووحدتهم ، يتكرر المشهد اليوم ، ومثلما طلب السوريون جلاء الإحتلال واسقطوا مع الجلاء بصورة نهائية معالم الدويلات ، يتكرر المشهد اليوم ، لذلك يقارب السوريون الإستحقاق الرئاسي خلال الأسابيع المقبلة من زاوية واحدة ، إستقلال ووحدة سورية ، ورمزية الدولة الدستورية السورية الواحدة ، وينظرون لإعادة إنتخاب الرئيس بشار الأسد كتعبير عن هذه الرمزية الجوهرية في هذه المعركة ، فيحيون من خلالها عيد الجلاء .

2021-04-17 | عدد القراءات 1553