العالم يعود الى بحار الأسد الخمسة
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- مع نهاية ولاية الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ، وظهور الإعتراف الأميركي العلني بفشل الحروب التي أطلقها عبر التقرير الشهير الذي حظي بإجماع الحزبين الجمهوري والدميقراطي وعرف بتقرير بايكر هاملتون ، أطلق الرئيس السوري بشار الأسد دعوته لإقامة منظومة إقليمية تضم الدول الفاعلة المطلة على خمسة بحار هي المتوسط والأحمر والأسود وقزوين والخليج ، بهدف ملء الفراغ الذي سينجم عن الفشل الأميركي ، وبدأ تحركا شمل روسيا وإيران وتركيا ومصر والسعودية ، للدعوة لهذه المنظومة ، محفزا حليفيه الروسي والإيراني من جهة لتلقف الدعوة ، ساعيا لإقناع تركيا والسعودية ومصر بحجم المخاطر الناجمة عن الفراغ الإستراتيجي المقبل ، الذي سيملأ بالفوضى والإرهاب ما لم يتم بلورة بديل يحفظ الإستقرار .
- تراجع الحزب الديمقراطي عن خيار الإنفتاح على سورية التي تمثل قلب هذه المنظومة ، لعدم شمولها كيان الإحتلال ، بعدما كان يعترف لصمود سورية بوجه حروب المحافظين الجدد ، بدور حاسم في تمهيد الطريق أمام الديمقراطيين في كسب الأغلبية في الكونغرس تمهيدا لدخول البيت البيض مع الرئيس بارااك اوباما ، وفقا لما حملته زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لدمشق ولقائها بالرئيس الأسد عام 2007 ، وبدا مع تولي الرئيس أوباما للحكم ومع طلائع الربيع العربي أن خيار الفوضى والإرهاب صار خيار رسميا لواشنطن ، في إثبات لصحة توقعات الأسد ، وفيما بدت مصر أول الضحايا المستهدفة بالفوضى والإرهاب من بوابة إستغلال غضب الشعب المصري وتطلعه للتغيير ، ووقعت مصر في قبضة الأخوان المسلمين قبل أن يستردها الجيش بعد عامين ، فيما إنخرطت تركيا والسعودية بفاعلية في الخطة الأميركية الجديدة التي كانت سورية هدفها المحوري ، فكانت تركيا قاعدة الإرتكاز وحاضنة الحرب على سورية ، بأطماع عثمانية معلنة ، فيما مولت السعودية وحرضت ونظمت جماعات إرهابية متطرفة شكلوا الجيش الرديف لهذه الحرب ، كتعويض عن عجز الجيوش الغربية وجيش كيان الإحتلال عن خوضها .
- خلال عشر سنوات كانت الحرب على سورية نسخة مصغرة جغرافيا عن حرب عالمية ثالثة ، سواء بحجم الموارد المسخرة للفوز بها ، أو بحجم الدول المنخرطة فيها ، وكان الصمود الأسطوري لسورية السبب الحاسم لفشل هذه الحرب في تحقيق أهدافها ، بينما كان حلفاء سورية الأوفياء الى جانبها من موقع إدراك أن الحرب لا تدور حول سورية وحدها ، بمقدار ما هي حرب تغيير العالم ، من البوابة السورية ، وحرب تعميم الفوضى والإرهاب ، ومع رحيل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وسقوط خططها بإنعاش مشروع تعميم الفوضى والإرهاب ، بسبب إنتصارات سورية على تشكيلات داعش والنصرة والأخوان ، فتح الباب مجددا لعودة الديمقراطيين الى البيت الأبيض ، وأعادت الإدارة الديمقراطية للرئيس جو بايدن الإقرار بالفشل والإعراب عن نوايا الخوض في التسويات من بوابة العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران ، وهي تدرك مع قرار الإنسحاب من أفغانستان أن حفظ الإستقرار لا يتناسب مع الفراغ الإستراتيجي ، وأن لا مكان لكيان الإحتلال مجددا في اي منظومة لحفظ الإستقرار ، وأن سياسات التطبيع التي تمت في عهد الرئيس ترامب غير قادرة على تشكيل سياق إقليمي يعتمد عليه .
- مصر والسعودية وتركيا كشركاء مفترضين في منظومة الإستقرار التي قدمها الرئيس الأسد بالإضافة لروسيا وإيران وسورية ، أمام إستحقاقات مصيرية ، فمصر مهددة وجوديا بسد النهضة ، وتركيا والسعودية تحصدان نتائج فشل الحروب التي تورط كل منهما بخوضها ، سواء في سورية او اليمن بالنسبة للسعودية ، أو في سورية بالنسبة لتركيا ، التي يواجه وجودها في ليبيا إشكاليات كبرى دولية وإقليمية ، ومرة أخرى تبدو سورية نقطة النهاية كما كانت نقطة البداية ، وفيما تتوجه تركيا لتطبيع علاقتها بمصر وتتوجه السعودية لتطبيع علاقتها بإيران وسورية ، يعود السؤال عن ماهية المنظومة الإقليمية القادرة على حفظ الإستقرار ، ولا يبدو أن هناك بدائل قابلة للبحث بين خيار الأسد والبحار الخمسة من جهة ، وخيار الفوضى والإرهاب من جهة موازية .
2021-05-05 | عدد القراءات 2083