من يعاقب فرنسا في لبنان ؟
كتب ناصر قنديل
- بخلاف السؤال الرائج اليوم عن الذين تنوي فرنسا معاقبتهم وفقا لتصريح وزير خارجيتها جان إيف لودريان الذي يحل اليوم زائرا على بيروت ، يطرح في فرنسا وأوروبا سؤال معاكس ، هو من الذي يعاقب فرنسا في لبنان ، فالرئيس الفرنسي أمانويل ماركون الذي بدا في زيارته الأولى الى لبنان استاذا يعاقب تلامذة في صف روضة خلال اجتماع قصر الصنوبر الشهير يبدو اليوم عاقا في منتصف الطريق عاجزا عن التقدم وعاجزا عن التراجع ، ووزير خارجيته لودريان الذي طالما تحدث بلهجة التعالي والعفة ملوحا بمعاقبة المعرقلين والفاسدين يبدو حائرا بوصفة العقوبات وقد رفض الإتحاد الأوروبي السير بها وصارت وصفة باهتة لا ينتج عن السير بها الا عزل فرنسا عن التأثير في المسارالسياسي اللبناني ، وإعلانا ضمنيا بفشل المبادرة الفرنسية .
- عاقبت فرنسا نفسها عدة مرات ، ففرنسا التي لبست ثوب الإصلاح ومكافحة الفساد هي فرنسا التي بقيت تقود حملات تمويل الديون اللبنانية ، لمرات متكررة ، وهي تعلم عجز لبنان عن السداد كما تعلم ان هذه الأموال ستصرف وفق منظومة المحاصصة والفساد ، ولذلك لا تستطيع فرنسا التبرؤ من مسؤوليتها في صناعة الإنهيار الذي تريد إظهاره اليوم صناعة لبنانية خالصة ، فلولا هذا الدور الفرنسي لواجه لبنان الخطر وديونه لاتتعدى ربع أرقامها الحالية عام 2002 ، وكانت المخارطة بربع الودائع فقط .
- لا تستطيع فرنسا التحدث عن نوايا إصلاحية وهي تعرف ان اللبنانيون يعرفون أن لها مصالح في قطاعات حيوية كالكهرباء والمرفأ ، تسعى لتوكيل رعايتها ضمن منظومة فاسدة من العلاقات المصلحية تحت مظلة النهوض بلبنان ، كما لا تستيطع فرنسا إدعاء العفة وهي سعت لتوظيف ما اعتقدته دورا محسوما في لبنان في تعظيم مكانتها الإقليمية والدولية ، سواء بالسعي لدور الوسيط في مفاوضات الملف النووي الإيراني ، أو في سعيها للحصول على مكاسب في العلاقة بالسعودية من بوابة السعي لتلبية طلبها بالشراكة في مفاوضات النووي الإيراني .
- توهمت فرنسا ان هناك فرصة لخطف لبنان من قلب المشهد المعقد في المنطقة ، فتجاوزت الحقائق التي بدأت تتجاوزها ، وها هي التفاهمات على الملف النووي تقترب من النهاية بدون فرنسا ، والعلاقة الإيرانية السعودية تدخل مرحلة جديدة بدون فرنسا ، والعلاقة السورية السعودية تفتح صفحة جديدة بدون فرنسا ، وفرنسا متجمدة عند لغة خشبية تورط بها ماكرون ولودريان تنتمي لعهد الجنرال غورو الذي ولى وانتهى .
- دخلت فرنسا في اللعبة الطائفية اللبنانية وتوزاناتها فأرادت التصرف كمرجع لهذه الطوائف جميعا لتجد أن مرجعيات الطوائف الإقليمية لا تزال ممسكة بزمام طوائفها ، وأن روسيا تدخل على خط وراثة رعايتها التقليدية للطائفة التي كانت تمثل فرنسا مرجعيتها ، بعدما إستثنت العلمانيين وهي الدولة العلمانية كما يفترض .
- قامر الرئيس ماكرون ووزير خارجيته لودريان بالمبادرة تجاه لبنان مرارا ، خصوصا بإستعادة لهجة الجنرال غورو في ذكرى مئوية لبنان الكبير ، ودون اعتراف فرنسا بأنها دولة تسعى لمصالحها ، وتواضعها في ادعاء العفة ، ودون خروجها من لغة التعالي ستعاقب مرارا ومرارا .
2021-05-05 | عدد القراءات 1615