القدس تفتتح اللحظة التاريخية لمواجهة القرن نقاط على الحروف

القدس تفتتح اللحظة التاريخية لمواجهة القرن 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- تقع مواجهات القدس الحالية على فالق جيوسياسي وإستراتيجي وعقائدي يجعلها خط التماس بين الأرض والسماء ، وبين التاريخ والمستقبل ، وبين الحق والباطل ، وبين القوة التي تعتاش على موروثها ، والقوة التي تستثمر على جديدها ومفاجآتها ، وبين روح مصابة بجراح عميقة وورح متوثبة لا تعرف المستحيل ، ففهم الأحداث الجارية وتقدير أبعادها ، ورؤية مساراتها المقبلة ، تنطلق من فهم وجود جيل فلسطيني عمره من عمر الإنتفاضة عام 2000 ، إختبر كل مشاريع التفاوض ، وكل خلافات الفصائل ، ومشاريع التطبيع ، وشهد إنتصار سورية ، وتصاعد قوة المقاومة ومحورها ، وصمود إيران وتقدمها ، وأدرك أن القدس لا مكان حقيقي لها في أي مشروع تفاوض ، بل أن اي عودة للتفاوض ستعني تسليما فلطسينيا مسبقا بتهويد القدس ، وتهجير أهلها ، وهذا الجيل غير المنظم في الفصائل المختلفة يشكل غالبية الشباب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 48 ، ويشترك فلسطينيو القدس والراضي المحتلة عام 48 بمصير الإستثناء من أي تفاوض أو تسوية ، كما يشتركون بتوفير الحماية املنتظمة للمسجد الأقصى منذ  سنوات .

- بالمقابل لا تملك الفصائل الفلسطينية أي فرصة لتقديم مشروع سياسي ينتج تهدئة مع كيان الإحتلال ، الذي يعيش أزمة وجودية ، فهو يتثبت كل يوم من تراجع قدرة الدرع ، وعجزه عن الذهاب الى حرب تعيد ترميمها ، وكان صاروخ ديمونا كافيا للكشف العلني عن هشاشة القبة الحديدة ، ووفقا لقانون تشكل الكيان فكل ضعف في قوة الكيان ينتج تشظيا سياسيا تعبر عنه حالات الفشل المتكررة في إنتاج حكومة رغم الإنتخابات المبكرة المتلاحقة ، لكنه ينتج بالتوازي صعودا في حضور وتأثير الجماعات العقائدية ، أمام تراجع السياسة ، وخضوع المستويين السياسي والعسكري لمناخ المتطرفين بالحسابات الإنتخابية ، وفي الخطاب السياسي ، فيفرض واقع الكيان المأزوم أولوية حضور القدس ، كتحد مباشر على الفصائل الفلسطينية ، التي لم تقدم بمشروع إعادة تكوين السلطة من بوابة الإنتخابات التشريعية أي سبب مقنع للفلسطينيين بجدارة مشروعها ، الذي تعثر في النهاية عند بوابات القدس .

- على مستوى الفصيلين الكبيرين ، فتح وحماس ، حالة غليان في فتح يفرضها فشل مشروع التفاوض وعودة التنسيق الأمني مع مخابرات كيان الإحتلال ، وحالة غليان موازية في حركة حماس حيث المقدرات العسكرية التي تنتج فائضا للقوة تطرح سؤالا عن مبرر الصمت تجاه أطروحة العودة للعمليات وتطلب تفسيرا لقبول الحصار تحت شعار الحفاظ على التهدئة ، وتدخل القدس بشبابها وصباياها لتفرض إيقاعها ، في مواجهة مستوطنين في حال توحش ، والفريقان المتقابلان في القدس لا ميكان فرصة التراجع ، فينجذب الكيان المحكوم بمزاعم القوة الناتجة عن موروث صورة فائض القوة لمواجهة يفرضها المستوطنون ، وتنجذب قوى المقاومة في غزة التي تراكم فائض قوة طازج ، وتستند الى محور مقاومة مقتدر يحقق التقدم ، ويفرض حضوره كلاعب محوري في الإقليم ، لخيار دفاعي يفرضه المقدسيون ، ومن خلفهم ينجذب شباب الضفة والأراضي المحتلة عام 48 .

- المواجهة التي تطورت الى اطلاق المقاومة في غزة  لصواريخها نحو عمق الكيان والمستوطنات ، ورد جيش الإحتلال بغارات وحشية على غزة ، وما رافقها من تصعيد في القدس ، ودخول الضفة على خط الإشتباك ، يصعب الوصول الى تسوية يتحمل نتائجها الفريقان المتقابلان دون رابح وخاسر ، فتثبيت حرمة المسجد الأقصى ووقف الإخلاءات في حي الشيخ جراح ، يعنيان سقوط مشروع تهويد القدس ، وبالتالي إسقاط ركن عقائدي وإستراتيجي في حياة الكيان وحركة مستوطنيه ، وقبول المقاومة بتهدئة لا تحقق هذين الهدفين يعني قبولا ضمنيا بتهجير أبناء القدس وتثبيت لخطط الكيان بإنتهاكاته لحرمة المسجد الأقصى ، وهذا فوق قدرة قوى المقاومة على قبوله ، ما يعني أن المواجهة مرشحة للتصاعد ، كما هي مرشحة لخيارات قد تتجاوز جغرافيا حدود فلسطين ، فإن تمكن الإحتلال من تثبيت تفوق ميداني على قوى المقاومة في غزة ستجد قوى ودول محور المقاومة أمام رمزية القدس ورمزية موازين القوى ، أنها مضطرة لدخول المواجهة ، وإن أثبتت قوى المقاومة قدرتها على فرض تفوقها الميداني فيسكون خيار توسيع المواجهة مطروحا بقوة على قيادة كيان الإحتلال لتخفيف وطأة الهزيمة وتوسيع دائرة التسوية .

- المنطقة تدخل من بوابات القدس ، وإحداها تحمل إسم باب دمشق وترعف بباب العامود ، مرحلة شديدة التعقيد ، مفتوحة على املفاجآت ، والمتغيرات ، وكلمة السر فيها هي القدس ، خط التماس بين الرض والسماء ، حيث لا تتسع القدس لأهلها والمستوطنين معا .

2021-05-11 | عدد القراءات 1629