ليس مجرد إنتخاب رئاسي ...هذا تحول تاريخي نقاط على الحروف كتب ناصر قنديل

ليس مجرد إنتخاب رئاسي ...هذا تحول تاريخي 

نقاط على الحروف

كتب ناصر قنديل

- يتعامل بعض المتابعين السياسيين والدبلوماسيين والإعلاميين في الغرب وبعض البلاد العربية مع الإنتخابات الرئاسية السورية بصفتها علمية إنتخابية ، تتم عملية تقييمها بهذه الصفة الحصرية ، فيتجاهلون أن هذه الإنتخابات هي ثمرة لمسار عبرته سورية خلال السنوات الفاصلة عن الإتسحقاق الرئاسي الأخير قبل سبعة أعوام ، سواء على مستوى إسقاط داعش وإستعادة أغلبية الأراضي السورية من أيدي الجماعات الإرهابية ، أو لجهة المراجعة التي أجراها الكثير من السوريين لمصير بلدهم الذي سلموه لدول أجنبية وحركات إرهابية وهم يعتقدون أنهم يخدمون مسارا إصلاحيا ضمن موجة الربيع العربي ، ليحسموا خيارهم باولوية الحفاظ على وحدة الوطن وهياكل الدولة ومؤسساتها ، والسعي من قلب هذه المعادلة لخوض النضال السلمي لإصلاح وتطوير ما يحتاج للإصلاح والتطوير ، وهو كثير ، وقد إكشتف اغلب السوريين الذين خاضوا غمار الرهان على المعارضة أن ثوابت سورية الوطنية ورمزية الرئيس بشار الأسد والجيش السوري تشكل جزءا عضويا من مسار الوحدة والسيادة والدولة .

- كان الإستحقاق الرئاسي عام 2014 بداية هذا التحول ، وقد كانت المحطة الإنتخابية التي شهدتها السفارة السورية في لبنان تعبيرا إنفجاريا عن هذا التحول أذهل العالم كله ، وخلال هذه السنوات السبعة كبرت كرة الثلج وتوسعت وتعاظمت ، حتى صارت الإنتخابات الرئاسية الحالية أكبر من إنتخابات ، ترجمة لإرادة الشعب السوري بالدفاع عن حقه بوطن ودولة ، وإختياره لقائد لمسيرة الحفاظ على الوطن وبناء الدولة ، على قاعدة حقيقة ان بلادنا لا تزال في مرحلة تحرر ومواجهة مع مشاريع إستهداف ، تحتاج الى قادة تاريخيين كبار ، أكثر مما تحتاج للعبة تداول السلطة التي يمارسها الغرب بترف تغيير الوجوه ، لحساب تأبيد سلطة الدولة العميقة التي تدير وترسم السياسات وتلعب عبر الميديا والمال واللوبيات لعبة ترف تداول السلطة .

- العملية الإنتخابية في سورية تعبير عن هذا التعاظم في الإستيقاظ السوري على نعمة العودة الى وطن ودولة وتفويض قائد ينتخبه السوريون لما فعله وليس لما وعد بفعله ، كما يفترض أن تتم الإنتخابات ، وهذا الإستيقاظ السوري يرافقه إستيقاظ دولي وعربي ليس ناتجا عن محبة سورية ، ولا عن الرغبة بتعافيها بقدر ما هو ناتج عن التسليم بأن كلفة بقاء سورية نهبا للفوضى وخطر الإرهاب صارت على الجميع أكبر من عائدات الرهان على السيطرة عليها وتقاسمها ، وأن الرئيس بشار الأسد قد إنتصر بسورية ولسورية وبجيشها ومعه ، وان ما سيفعل لإنكار هذا النصر سيكلف مزيدا من الوقت والجهود والأموال بلا أمل بتغيير الواقع ، بينما يتيح الرئيس الأسد بعقلانيته وحكمته الفرصة ليتراجع الجميع نحو منطقة وسطية لا تهدر ماء وجه الذين تورطوا ، وتفتح لهم الباب الخلفي للتراجع والتموضع بهدوء .

- هذه ليست مجرد إنتخابات ، إنها عودة سورية القوية والمقتدرة  الى لعب دورها بصفتها دولة السوريين التي ترعاهم وتحميهم وتوفر لهم أمنا إتفقدوه كثيرا ، ورعاية حرموا منها طويلا ، لكنها أيضا سورية دولة العرب المقاومة لمشاريع الهمينة والتفتيت والتطبيع ، الملتزمة بفلسطين ومقاومتها وحقوقها ، وسورية دولة المشرق التي تتوسط كياناته التي تختنق داخل حدودها وتحتاج لتكامل مقدراتها لتنهض بإقتصاداتها ، وتوفر لشعوبها ظروفا أفضل للتنمية والأمن ، وهي سورية الدولة الإقليمية المحورية التي تشكل بيضة القبان في حفظ الإستقرار في منطقة تتعرض للإهتزاز ، وكانت حتى الأمس مهددة بمخاطر الفوضى والإرهاب .

- هذا أكثر من إنتخاب رئاسي بكثير ، فهو التحول التاريخي الذي يعبر عن إنتقال الشرق من مرحلة الى مرحلة ،  مرحلة عنوانها الضياع والتفكك والحروب الأهلية والفتن الطائفية والمذهبية ، الى مرحلة نهوض الدولة الوطنية  وتكامل نماذجها في الإقليم الأشد خطرا في الإنزلاق الى الفوضى ، وهو الإقليم الذي تتوسطه سورية ويضم لبنان والعراق والأردن ، وبعد الذي جرى في فلسطين ، فإن صعود سورية مجددا يتزامن مع تراجع مكانة ومهابة وسطوة كيان الإحتلال ، بما يرد الإعتبار لفرص الإستقرار بنظام إقليمي تكون سورية ركيزته ، ولا يكون كيان الإحتلال جزءا منه ، بعدما كان أحد أهداف الحرب على سورية تمهيد الطريق لنظام إقليمي يتزعمه كيان الإحتلال .

2021-05-27 | عدد القراءات 1915