ايهما اصدق انتخابات المفاجآت ام اعراس الإستفتاء ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- خلال نصف قرن شهدت ساحتنا الفكرية ترويجا لنموذج للنظام السياسي يقوم على اعتبار العملية الإنتخابية التي تتخللها مفاجآت يصعب الترجيح في نهاياتها ، والتي تنتهي بتبديل وجوه الرؤساء ، تعبيرا عن الانتماء للدول المتقدمة ، وترجمة لتطور عقلي للشعوب ، وتسللت هذه الصورة الى القوى المناهضة لمشاريع الهيمنة والإحتلال فصار شعارها ، المزيد من الديمقراطية يعادل المزيد من فرص النصر ، والديمقراطية لا ترمز هنا الى اقتصاد ديمقراطي توزع عبره الثروة على أبناء الشعب بشكل ديمقراطي ، ولا ديمقراطية اجتماعية يحظى عبرها المواطنون برعاية الدولة وخدمات مؤسساتها بعدل ومساواة ، ولا الديمقراطية السياسية بمفهوم خلق تكافؤ للفرص في المنافسة بين الأفكار والمشاريع السياسية ، بل كان المقصود شيء واحد وهو تظهير عملية انتخابية تنتهي بمفاجآت ، وتؤكد ما يسمونه التداول السلمي للسلطة ، ولأن شعوبنا في بلدان كثيرة غير سورية ، كانت قد سئمت من تخليد وتأبيد زعمائها ، وتوارث أبنائهم وسلالاتهم للحكم ، فقد بدا أن سورية ستدفع ثمن هذه الفاتورة الفكرية والنفسية والثقافية ، وأن علينا كمؤمنين بخيار التحرر والمقاومة أن نتقبل هذه التضحية باعتبارها ترجمة لفكرة لا يجوز و لايمكن مقاومتها ، ويشكل رفضها سباحة عكس "التيار التقدمي" و"رجعية وتخلف" ، بالدفاع عن فكرة "توارث الحكم " من جهة ، وتمسكا بشكل النظام القائم على "عبادة الفرد" و"البيعة للزعيم" من جهة أخرى ، وكان علينا ان "نخجل" من فعل ذلك ، وكثيرون هم الذين "خجلوا" وانضموا لدعوات التغيير من هذا الباب لمفهوم "الديمقراطية" و"الإنتخابات الحضارية" .
- كثيرون ضعفوا أمام البضاعة التي يتم تسويقها بحملات أعلانية وترويجية غير قابلة للمقاومة ، وقد اكتسحت بضاعتهم الأسواق والعقول ، ولم يتجرأوا أن يدققوا في الطبيعة الحقيقية لما هو معروض علينا ، فتحويل عملية اختيار قادة دولنا بإسم العملية الإنتخابية الى برنامج تلفزيوني قائم على المفاجآت وتبديل الوجوه تحت عنوان التغيير الديمقراطي ، يعني الإنتقال بقضايانا الكبرى من مصاف ما تمثل من جبال من التضحيات وأجيال من الأحلام والعذابات ، لتصير مجرد لعبة تلفزيونية تنتقل بنا الى نوع من برامج تلفزيون الواقع ، وجعل عملية قيادة الدولة والمجتمع اشبه ببرنامج من سيربح المليون ، تنفق في التحضير له وإعداداه أموال طائلة ، ويشتغل خلاله مستشارون وخبراء في تحضير الأسئلة والديكورات ، واطلاق حملات الترويج ، وتصير معه السلطة اداة فارغة من السياسات التي تنتقل الى مكان آخر ، حيث يقف المخرج وراء الكاميرا ، يوزع الأدوار ، ويومئ بالإشارات ، ويأمر بالإنتقال من كاميرا الى أخرى ، ومن سؤال الى آخر ، قبل أن يعرض تصويت الجمهور ، الذي لا يهم فيه مضمون الخيارات ، بمقدار تقنية ضغط ازرار الاجابة وتفاعل الشاشات مع تصاعد الارقام قبل اعلان المفاجأة ، وإطلاق الحكم لصفارة الوقت واعلان الفائز .
- جاءت الحرب على سورية لتحمل الكثير من المعاني وتترجم الكثير من القضايا والأسباب ، لكنها في وجه منها كانت اختبارا تاريخيا هائلا للصراع حول مفهوم انبثاق السلطة وتشكيل مؤسسات الدولة والانتخابات في بلادنا و أحزابنا ، فصرنا نتخيل أن يكون معيار صوابية خيار المقاومة في انتخاب بديل للسيد حسن نصرالله على رأس حزب المقاومة الأول ، والا صرنا دعاة رجعية ، ونظرنا الى سورية فاذ جيوش الديمقراطية هم انفسهم وحوش بقر البطون وأكلة الأكباد ومفجرو الكنائس والمساجد والأديرة وقتلة علماء الآثار ، واذ بالغرب كله يصفق لهم ، وبالمال العربي المتدفق من مشيخات لا تعرف ابجدية الانتخاب ، قد رصد لتمويل تدريب السوريين بناة اول دول التاريخ ، على كيفية بناء الدولة ، والمطلوب من سورية شيئ واحد هو رأس الرئيس بشار الأسد ، فقد تجرأ في حرب تموز 2006 على ارسال صواريخ الكورنيت الى مقاومة حزب الله حيث تم تدمير اسطورة الميركافا وتم إذلال اقوى جيوش الغرب ، واسقاط اخطر مشاريعه ، وتجرأ قبلها على الوقوف في مؤتمر قمة شرم الشيخ محاضرا بخطورة الحرب على العراق كاشفا أهدافها ، وواقفا بوجه حامل رسالة الدبابات الأميركية كولن باول الداعية لقطع نسل المقاومة من دمشق ، وقرار تغيير الأسد ، كتعبير ملطف عن قرار اسقاطه اتخذ في عواصم دول أخرى ، دون أن يسأل عن ذلك أي مواطن سوري ، بإسم الديمقراطية ، فقط ترك للسوريين بعد ذبحهم وتقطيع اوصالهم وتدمير مدنهم وعمرانهم "شرف" اعلان النتيجة من الصناديق ، في تظاهرة تكنولوجية واعلامية تعيد صياغة جغرافيتهم الإستراتيجية في المنطقة كرمز جامع للهويات والقضايا فيها ، لتصير مجرد عقار كبير يحتاج الى عملية فرز وضم تطلق عليها مسميات دويلات جديدة ، وتحويل الشعب السوري من نواة لأمة عظيمة تحمل قضية عظيمة ، الى سوق يستهلك الخبز المشغول من قمحه المنهوب ، والسياسة المصنعة على مقاسات ملوك وأمراء الحرب .
- أعادت الإنتخابات الرئاسية السورية طرح السؤال حول ماهية العملية التي يتم بموجبها اختيار قادة الدول في بلاد تخوض حرب تحرر وتحرير ، فالشعب السوري كما بدت مشهديته في يوم الإنتخابات طوفان بشري وعرس مفتوح على مدار الساعة ، احتفالا بقائد خاض الحرب وانتصر ، واعاد سورية وطنا لشعب لا سوق عقار ، وأعاد الشعب حارسا لوطن لا مجرد تجمع لمستهلكين يتم فرزهم كالعقارات على أساس الدين والمذهب والعرق وتجمعاتهم كمقيمين ونازحين وتوزع اصواتهم وفق لائحة ألوان يعدها المخرج ، كأكياس لحم ليس إلا ، فقال لنا السوريون أنهم يريدون دولة افضل من التي كانت لديهم قبل الحرب وافضل مما لديهم اليوم ، وهذا لا علاقة له بالإنتخابات ، فهم ، لأنهم يريدون الإصلاح والتغيير والتطوير يعرفون أن الفباء الأوطان تبدأ بـ استقلالها ووحدتها وسيادتها ، وميزان الحرية فيها قبل السياسة هو في تحريرها من الإحتلال والإرهاب والقتل والتهجير والإبادة ، ولأننا في حروب تحرر وتحرير فلن نبتلع طعم الدعوة لكذبة الديمقراطية المشوهة ، ولدينا مثال على حجم الإلتفاف الشعبي بأعلى معايير الديمقراطية تقوله هذه الإنتخابات ، لكن بمفهوم الإستقطاب التفاعلي بين الشعب وقائد ، وليس بمفهوم حزورة مصنعة خلف الكواليس في تلفزيون الواقع لبرنامج من يربح المليون وفك الحزورة تصنع رئيسا ، فحيث تخاض القضايا الكبيرة ، لا مفاجآت انتخابية ، بل قادة كبار يمنحون الثقة على ما فعلوه أصلا أملا بما سيفعلون ، وللذين لم تمت ذاكرتهم ، تذكروا كيف خرج الشعب المصري ومعهكل العرب يوم تنحى جمال عبد الناصر ، ولم تكن اجهزة المخابرات هي من اخرجه يومها ، كما لم تكن المخابرات السورية هي من احرج مئات الالاف في شوارع لبنان يحجون الى سفارة بلادهم لإبلاغ العالم قرارهم كهيئة محلفين بحكمهم المبرم ، بأن الرئيس الأسد قائدهم في مسيرة استعادة حلم وطن كاد أن يضيع ، وللذين لم تخنهم الذاكرة أيضا ، عندما صدق الفلسطينيون كذبة اليدمقراطية وانتخبوا وجاءت نتيجة الصنادق تقول بفوز حركة حماس كرمز لحركات المقاومة ، أنكر العالم على الفلسطينيين حق الإختيار وقالوا أن الديمقراطية ليست إنتخابات فقط ، ونحن نقول لهم لكم ديمقراطيتكم ولنا ديمقراطيتنا.
2021-05-28 | عدد القراءات 1837