لبنان أزمة كيان ونظام ...والتأثير الخارجي ظرفي نقاط على الحروف

لبنان أزمة كيان ونظام ...والتأثير الخارجي ظرفي 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- كان الإعتقاد السائد لدى الكثيرين أن كل ما نشهده من أزمات وحلول هو ثمرة نزاعات أو تفاهمات خارجية ، فكل طرف لبناني يتموضع ضمن اللعبة الدولية والإقليمية ضمن محور  من محاور صراعات كانت تستقطب المنطقة في حروب مفتوحة ، وكانت الخلافات اللبنانية تبدو نوعا من الإنعكاس لهذا التموضع ،  وحملت مراحل سابقة نماذج لحلول سياسية للأزمات والإستحقاقات جعلت الاعتقاد بأن كل التفاهمات هي ثمرة قرارات تأتي من الخارج ، منذ اتفاق الطائف وما رافقه من تركيب للدولة على قاعدة الدور المرجعي لسورية في إدارة الأزمات والملفات ، لكن المفارقة التي شهدها لبنان تتمثل بأنه شهد تسوية رئاسية عام 2016  أوصلت العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية ، والرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة ، وذلك في ذروة التأزم الدولي والإقليمي الذي كانت المنطقة تشهد أكبر حروبه في سورية واليمن ، وجاء احتجاز الرئيس الحريري في السعودية ليكشف أن التفاهم الداخلي كان داخليا ، وأن الإحتجاج السعودي على إنخراط الحريري في تفاهم خارج سياق ما يريدونه من استثمار للبنان في نزاعاتهم الإقليمية هو سبب الاحتجاز ، وتأتي المفارقة الثانية بعدها مع المبادرة الفرنسية التي رافقها اعتقاد بتشكيلها نقطة نهاية لمرحلة من الانقسام على قاعدة ان الخارج شمر عن ساعدية فلا مكان لموقف داخلي يعطل ، ووصل البعض الى حد التنمر على السياسيين اللبنانيين بالتذكير باللغة التي تحدث بها الرئيس الفرنسي معهم ، ليظهر فشل المبادرة الفرنسية واضحا بعد شهور ، لإعتبارات لبنانية .

- اليوم وفيما يسيطر مناخ من الانفتاح على التسويات في كل ملفات النزاع التي شهدتها المنطقة ، حيث التفاهم الأميركي الإيراني على العودة الى الإتفاق النووي بات قاب قوسين أو ادنى ، والتلاقي السوري السعودي يقطع أشواطا مهمة ، والتفاهم السعودي الإيراني يتقدم ، والتفاوض حول وقف النار في اليمن يدخل التفاصيل ، تبدو الأزمة الحكومية اللبنانية مشرعة على المجهول ، ولا يبدو في الأفق ما يبشر بقرب حلها ، وبالرغم من تقدير الكثيرين لمخاطر الانهيار اللبناني على مناخ التهدئة التي يسعى إليها المتفاوضون على ضفاف الخلاف ، لا يبدو ان ذلك يملك تأثيرا على مواقف الأطراف المعنية بالخلاف الحكومي ، الذي يبدو بوضوح حجم الحسابات الداخلية التي تحكم أطرافه طائفيا وسياسيا ، بحيث لا يمكن أن يجد أحد تفسيرا لهذا الإنقسام والاشتباك السياسي إذا اعتمد نظرية ، كل ما يجري في لبنان هو انعكاس للخارج .

- الواضح أن معادلة علاقة الداخل بالخارج تبدأ في لبنان وتنتهي في لبنان ، فجوهر الأزمات السياسية اللبنانية نابع من تخلف النخب السياسية عن تحويل لبنان الكبير من كيان سياسي ناشئ الى مشروع جدي لوطن يندمج فيه أبناؤه تحت هوية وطنية جامعة ، فبقيت الهويات الطائفية تتقدم على الهوية الوطنية ، وبقي البناء السياسي للدولة مبنيا على الأساس الطائفي ، فبقيت الدولة أضعف من الطوائف ، وتقاسمت الطوائف ولاءات مؤسسات الدولة على حساب مفهوم دولة القانون ، وبنت الطوائف علاقاتها بالخارج على القطعة ، فهي تستدرج التدخلات في الأزمات ، عندما يمثل هذا الاستدراج فرصا لخلق موازين قوى ترجح كفة طائفة على أخرى ، وتذهب في خيارات الإنتحار الطائفي عندما تشكل التسويات الخارجية سببا للتأثير على موازين القوى الطائفية ، بحيث لا تحسم التسويات الداخلية دون تسويات خارجية ، بحجم فرض الحلول بالقوة ، كما حدث مع اتفاق الطائف .

- من دون خروج لبنان من نظامه الطائفي سيبقى للكيانات الطائفية القدرة على تهديم لبنان وتدميره كل نصف قرن ، حتى يسأم الخارج القادر على ضبط نزاعاته بحسابات المصالح ، فيتدخل ليفرض على اللبنانيين تسويات يحجمون عنها على البارد ، ويذهبون بالانتحار الجماعي بانتظار أن يأتي خارج ما ويضربهم على ايديهم ويفرض عليهم هذه التسويات نفسها ، ليعيدوا انتاج الدورة التدميرية ذاتها مرة أخرى .

2021-06-02 | عدد القراءات 1635