الفدرالية مشروع داخلي ام خارجي ؟
ما هي علاقة الفدرالية بالتوطين ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- لا يخفى على أي متابع لمسار السياسات الأميركية والغربية في المنطقة أن سقف الحلول التي تطرحها للقضية الفلسطينية ، والتي تصبح أشد حضورا كلما بدت أزمة ضعف كيان الإحتلال مدخلا لإنفجار إقليمي لن يكون لصالحه ، تقوم على فكرة الدولتين بعد تأمين تبادل للأراضي بين النقب والضفة الغربية يحمي المستوطنات ، ومنح الدولة الفلسطينية عاصمة في محيط القدس بعد توسيع مداها ، ووضع ضوابط سيادية على الدولة الفلسطينية تتصل برقابة لكيان الإحتلال على المعابر البحرية والجوية والبرية ، وبتحديد مهمة القوى المسلحة بالأمن الداخلي ومنع قيام جيش يملك أكثر من سلاح فردي ، لكن الأكيد الذي يعرفه الجميع هو أن لا مكان لعودة اللاجئين في الخطة الأميركية ، والحلول المقترحة التي كشف عنها الأمير بندر بن سلطان الذي شغل منصب رئاسة المخابرات السعودية والفسير السعودي في واشنطن قبلها ومستشار الأمن القومي السعودي بعدها ، تقوم على صندوق يموله الخليج لتعويض اللاجئين وتوطينهم ، ولأننا ندخل مرحلة التغيرات الكبرى في قضية فلسطين ومستقبل الكيان ، لا بد أن ننتبه الى أن قضية التوطين ستعود الى البحث بجدية ، خصوصا بعد تراجع أوروبي وغربي عن مشاريع سابقة لإستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في ظل "الإسلاموفوبيا" التي تسيطر على المناخات السياسية والثقافية في الغرب .
- يقع لبنان على الفالق الإستراتيجي الذي تثيره مشاريع التوطين ، ومغفل من يعتقد أن دعوة مسيحيي لبنان للهجرة ، يوم قال المبعوث الأميركي دين براون للرئيس الراحل سليمان فرنجية " ليس أمامكم إلا البواخر " ، كانت بمعزل عن تمهيد مناخات التوطين ، بعدا فشل الكيان اللبناني بنظر الغرب ، بسبب حساسية القيادة المسيحية تجاه التوازنات الديمغرافية بين المسلمين والمسيحيين ، في تحقيق المهمة التي كلف بها بعد قيام كيان الإحتلال ، وهي إمتصاص الفائض السكاني الفلسطيني وإستيعابه ، ومن يعود للخلفيات التي رافقت الإنتقال الغربي الى رعاية مرجعية إسلامية للدولة اللبنانية كانت واضحة في مرحلة بعد إتفاق الطائف ، يعرف أن أحد الأهداف كان إختبار فرض ضمان السير بالتوطين عبر إضعاف الحضور المسيحي في الدولة اللبنانية ، كما يعرف ان ظهور المقاومة كمشروع مواجهة للإحتلال وتعاظمها أحبط مثل هذا الرهان وعوض الغياب المسيحي ، حتى عودة العماد ميشال عون من المنفى ، ويجب أن يعرف ان الجسر الذي بناه التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله ، كان مصدرا للغضب الغربي لإعتبار أهم من المعلن عن أن هذا التفاهم منح المقاومة عمقا مسيحيا ، لأن الأخطر في ما حققه التفاهم هو تشكيل سد منيه بوجه مشاريع التوطين .
- الذي يجري تداوله هذه الأيام حول الفدرالية كصيغة بديلة للنظام السياسي ، يجري تسويقها بين مسيحيي لبنان وإغراء بعض قيادات ونخب التيار الوطني الحر بها ، لا ينبع من إعتبارات محلية كالتي يسوقها أصحاب الفكرة أو المتورطون بها ، فالأمران الداخليان المشكو منهما ، أي سلاح المقاومة بذاته ، وبما يسببه من مقاطعة غربية وعربية تنعكس على الوضع الإقتصادي وبصورة خاصة على سعر صرف الليرة ، مشاكل لا تحلها الفدرالية ، لأنها تحفظ سياسة دفاعية وخارجية موحدة ، وليرة واحدة ، والمنطقي ان إقناع المسيحيين بأن الفدرالية حل يستحق السعي لتحقيقه التضحيات ، سيطرح بالضرورة في ظل إستحالة الحديث عن فرضه بالقوة ، ماهية هذه التضحيات ، وهي لن تكون إلا مقايضة الفدرالية التي تضمن نوعا من الإستقلال المسيحي بالولاية التي تنال نوعا من الحكم الذاتي ، بقبول غلبة إسلامية على الدولة الفدرالية المركزية ، والمعترض عندها على السلاح وعلى السياسات الخارجية والتاثيرات التي تتعرض لها الليرة سيقال له ، ولماذا حصلتم على الفدرالية ، ألم تكن مطلبكم للتخلص من الشراكة ؟
- ما دامت الفدرالية لا تحل ما يزعم مروجوها حله على الصعيد الداخلي ، فما هي وظيفتها إذن ، والجواب بسيط كامن فيها ، أن الفدرالية تضمن عزلا بين المسلمين والمسيحيين في صيغ إنتاج السلطة ، فالبرلمان الموحد والحكومة الموحدة سيمثلان برلمانات وحكومات منفصلة للولايات الطائفية ، التي تسكن ضمن حدودها أقليات من الطوائف الأخرى لا تؤثر في وجهتها ، وأن هذا العزل سيعني أن المسيحيين يصبحون غير معنيين بالتوطين ما دام يخص المسلمين وفي مناطقهم ، وبالتوازي توفر الفدرالية على الطريقة العراقية مناخا من الإستعداد لدى الأقلية لطلب الحماية الخارجية ، فيصير نشر القواعد الأميركية في المناطق المسيحية مطلبا ، ولا يحول دونه الفيتو الوطني الناتج عن الشراكة المعقدة في صيغة دولة اليوم .
- تفجير التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله ، هو الطريق لنسف الجسر الذي بنى السد المنيع أمام التوطين ، والفدرالية وصفة مدروسة لتحقيق هذا الهدف ، وإصطياد عدة عصافير بحجر واحد ، وليس مهما ان يكون مناصري الفدرالية في التيار من حسني النية ويصدقون ان الإعتبارات التي تحركهم محلية صرف ، فجهنم مبلطة بأصحاب النوايا الحسنة ، ولم يرد في مقدمة الدستور لا للتوطين ولا للتقسيم بهذا الترابط إلا لأن الأمر كان حاضرا بترابط التقسيم والتوطين عشية تعديله .
2021-06-19 | عدد القراءات 1613