المداورة بين الرئاسات مع نظام المجلسين
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يكتب لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ، الذي يخاصم شريحة واسعة من اللبنانيين ، ولا يستلطفه أغلب الطاقم السياسي ، أنه لا يعيش حالة الكسل الفكري التي تسيطر على الكثير من المشتغلين بالشأن العام والذين يملكون مواقع سياسية مقررة ، فلا يهزهم مرور الأيام والأسابيع والشهور وهم يرون الإنهيار يتقدم ، ليبادروا ويبحثوا عن مبادرات ومحاولات للإجابة عن مواقع العقم في النظام السياسي والدستوري ، وباسيل عندما وجد أن مقترحاته حول وضع المهل وقعت على تحفظات طائفية تنطلق من التوزيع الطائفي للرئاسات ، بادر الى إقتراح المداورة في الرئاسات بين الطوائف ، رابطا اقتراحه بدعوته للذهاب الى الدولة المدنية ، وهو ما سبق وضمنه الدعوة الى اعتماد صيغة قانون انتخابات قائم على مجلسين للنواب وللشيوخ ، بحيث ينتخب مجلس النواب خارج القيد الطائفي وينتخب مجلس الشيوخ لتمثيل الطوائف ، وفقا لنص المادة 22 من الدستور .
- تتميز الدعوة لمداورة الرئاسات بالشجاعة والحكمة ، فهي عندما تأتي من مرجعية وازنة في الساحة المسيحية دأبت على ربط خطابها السياسي بالدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية وصلاحياته ، توفر تغطية لا بد منها ليصبح البحث بالفكرة ممكنا ، لأن العقبة الرئيسية أمام اي تفكير بطرح المداورة بين الرئاسات ، كانت تتمثل بالخشية من معارضة مسيحية تنطلق من إعتبارها مساسا بالحضور المسيحي في الدولة ، بالرغم من الشكوى المستمرة من تراجع صلاحيات رئيس الجمهورية وصعوبة البحث في تعديلها ، لكن أهمية المداورة تأتي من أنها تمنح صيغة نظام المجلسين فرصة تشكيل مدخل جدي لقفزة نوعية نحو دولة المواطنة ، اذا اردنا تفادي الإلتباسات التي ترافق الحديث عن الدولة المدنية وارتباطها بتنظيم مدني للأحوال الشخصية ، لأن الجميع يسلم بعقم دستوري في قدرة النظام القائم على تأمين سلاسة إنبثاق السلطات ، وخصوصا الحكومات ، إنطلاقا من مقاربة مسألة الصلاحيات على خلفية ربط كل موقع رئاسي بطائفة .
- عندما لا يبقى مركز رئاسة الجمهورية محصورا بالمسيحيين ، ويصبح توليه ممكنا من مسلم بالمداورة ، لن نجد نقاشا لصلاحيات رئيس الجمهورية بحسابات طائفية ، فلن يقاتل أحد ضد تعديلات تمنح الرئيس صلاحيات ضرورية لا يملكها اليوم ، ولن يقاتل أحد تحت الشعار المسيحي لجعلها طاغية على مواقع أخرى كرئاسة المجلس النيابي والحكومة ، وهم يعلم أن الموقع المسيحي الأول في الدولة سيكون بالتناوب على هذه المراكز ، فتكون للمرة الأولى ثمة فرصة لتوازن صلاحيات مبني على المواقع وليس على خلفيات تمثيلها للطوائف ، ومن الطبيعي أن المداورة تلغي تمسك اي طائفة بمنصب وزاري معين كحال وزارة المالية بالنسبة للطائفة الشيعية ، طالما سيتولى وفق المداورة "الشيعي الأول" في الدولة منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة .
- ستجد فكرة مداورة الرئاسات تاييدا من كثيرين ، إذا تم تبنيها جديا من باسيل وتحويلها الى مشروع ضمن رؤية لدولة المواطنة ، تتضمن قانون انتخاب على أساس نظام المجلسين ، وتعتمد الولاية النصفية للمجلس النيابي كل ثلاث سنوات و تجعل ولاية الرئاسات لست سنوات ، ينتخب خلالها من الشعب مباشرة مع النواب ثلاثة شخصيات من الطوائف الثلاث الكبرى لتولي الرئاسات الثلاث ، يتناوبونها لكل منهم لسنتين ، وهذا سيحل مشكلة ثانية لا تقل صعوبة وهي صلاحيات مجلس الشيوخ ورئيسه التي ستؤخذ من صلاحيات مجلس النواب ورئيسه ، و كانت ستتم مقاربتها طائفيا من موقع ما تمثل رئاسة مجلس النواب طائفيا ، لكونها توزع موقع رئاسة السلطة التشريعية على طائفتين ، بقياس حصرية صلاحيات رئاستي الجمهورية والحكومة بشخص كل منهما ومن يمثل طائفيا ، بينما بالمداورة بين الرئاسات الثلاث تسقط كل هذه المقاربة والمخاوف التي تثيرها طائفيا ، كذلك ستتيح مداورة الرئاسات مع نظام المجلسين التفكير جديا بحكومات يملك رئيسها صلاحيات تنفيذية أوسع ، ورئاسة جمهورية تملك صلاحية حل المجلس النيابي .
- المهم ألا تكون الفكرة قد رميت عن طريق السجال ، وتموت كما مات غيرها الكثير من الأفكار الإصلاحية الجدية ، لأن أكبر إخلاص لفكرة إلغاء التنظيم الطائفي هو نزع أنيابه السامة التي تربط مناصب الدولة حصريا بطوائف معينة وتجر الطوائف الى حروب عنوانها الدفاع عن الصلاحيات والدور ، وعندما تقبل المداورة بين الرئاسات ، سيكون ممكنا تطبيقها على الوزارات وعلى عدد محدود من الوظائف العليا في الدولة ذات الحساسية ، والسير حكما بإلغاء الطائفية في سائر الوظائف ، بما فيها وظائف الفئة الأولى وكل ما دونها حكما .
2021-07-01 | عدد القراءات 1587