الترابط العضوي بين حربي أفغانستان وسورية
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- في طريق الذهاب جاءت الحرب على سورية تتويجا لمسار بدأ بالحرب في أفغانستان ثم العراق خطوتين متلازمتين في أدبيات ووثائق المحافظين الجدد الذين تسلموا دفة الحكم خلال ولايتي جورج بوش الرئاسيتين ، ضمن فلسفة استراتيجية قوامها إحكام الطوق على ايران وسورية وقطع التواصل الجغرافي بين روسيا والصين وإيران ، وبعد الإعتراف بالفشل في هاتين الحربين جاءت سلسلة حروب صغيرة كانت أهمها حرب تموز 2006 على لبنان ضمن رهان أميركي على إخضاع الثنائي السوري الإيراني بكسر ظهر المقاومة التي تشكل فائض القوة والقيمة المضافة في هذا الحلف ، وعندما تيقن الأميركي من فشل هذه الحروب سواء على لبنان أو على غزة في إضعاف مقدرات الحلف الذي تمثل إيران وسورية ركيزته الإقليمية ، ويشكل مصدر اطمئنان على مد جسور برية تنتهي بكل من الصين وروسيا الى البحر المتوسط ، رمت أمريكا بثقلها السياسي والاستخباري ، وحشدت حلفاءها الدوليين و الإقليميين ، وفتحت الباب لتنظيم القاعدة والتشكيلات الإرهابية الرديفة له والمتفرعة منها ، تحت عنوان إسقاط سورية ، بما يتيح تحقيق مجموع الأهداف التي كانت الحرب في أفغانستان مشروعا لترجمة بعض منها ، وصولا الى التسليم بفشل هذه الحرب ، أي بسقوط الأهداف التي بدأت حرب أفغانستان ضمن خطة تحقيقها ، فصار الوجود العسكري هناك بلا قيمة استراتيجية وبلا هدف يتصل بالسياسات الكبرى ، وصارت مقارنة حساب الأرباح بالخسائر لا تؤدي بالعقل الأميركي إلا لقرار الإنسحاب .
- في طريق الإياب يشكل الإنسحاب من أفغانستان تسليما بنهاية المشروع الإمبراطوري القائم على استثمار فائض القوة العسكرية الأميركية بعد انهيار الإتحاد السوفياتي ، وتسليما بعودة روسيا والصين وصعود غيران وصمود سورية ، وتسليما موازيا بضعف حلفاء واشنطن الإقليميين وضعف القدرة على قيامهم بسد الفجوة الناجمة عن الإنسحاب الأميركي ، وهذا يشمل باكستان وتركيا والسعودية وكيان الإحتلال ، وكان يمكن لهذا التسليم أن يترجم إنسحابا سريعا من العراق وسورية ، لولا ارتباط الوجود الأميركي فيهما بمعادلة توازن القوى بين كيان الاحتلال ومحور المقاومة ، في لحظة محتدمة أعقبت معركة سيف القدس وظهرت خلالها معادلة الدفاع عن القدس بالتهديد بحرب إقليمية ، أي بانخراط قوى المقاومة في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن في المواجهة مع كيان الاحتلال ، وما يترتب على انسحاب اميركي سريع من هدية مجانية لقوى المقاومة لرص صفوفها والتقدم نحو هذه المواجهة ، لذلك وجد الأميركي دافعا كافيا لفرملة هذا الإنسحاب والرهان على فرضية فتح باب التفاوض على ترتيبات أمنية تتصل بالحدود بين العراق وسورية والحدود السورية مع الجولان المحتل والحدود اللبنانية السورية ، طلبا لضمانات لأمن كيان الإحتلال في هذه اللحظة الحرجة .
- الأسباب التي دفعت الأميركي للانسحاب من أفغانستان عمليا تعود الى اعتبارين ، الأول كلفة البقاء وعاداته ، والثاني عدم وجود صلة مباشرة بين البقاء في أفغانستان وأمن الكيان بخلاف سوريا والعراق ، لذلك بدأت قوى المقاومة تصعيدها على الإحتلال الأميركي في سورية والعراق ، ووضعه بين خياري الحرب او الإنسحاب ، لأنها على يقين انه قد حسم أمره بالسعي لتفادي الحرب حتى لو كانت كلفتها الإنسحاب ، وهو قد أسس لوضعية إنتقالية تمكنه من البقاء على مقربة من جغرافيا نجدة الكيان ولو انسحب من سوريا والعراق عبر توقيع معاهدة عسكرية مع الأردن وبناء قواعد جديدة فيها ، وإعلانه أن الإنسحاب من العراق سيتخذ شكل إعادة انتشار في بلدان مجاورة في إشارة للإنتقال إلى قواعده في الأردن ، وقد سبق للأميركي أن أختبر فرضية التورط في حرب وكان جوابه عليها سلبيا مرتين ، مرة يوم إعلان الانفصال كردستان العراق بعد الاستفتاء ، وكانت كردستان العراق تقدم فرصة نموذجية للاقتراب من إيران وتفتيت العراق ، ومرة ثانية يوم بدأ الجيش السوري هجومه على منطقتي الغوطة ودرعا ، وطلبت الجماعات المسلحة الإرهابية دعما أميركيا ، وفي المرتين كان الجواب الأميركي لسنا بوارد التورط في حرب .
- من المنطقي والطبيعي أن يراهن الأميركي على الاستفادة من الضغط الاقتصادي ، وأن يحاول توظيف وجوده العسكري للحصول على مكاسب سياسية وأمنية تشكل ضمانات لأمن الكيان ، لكن الأكيد ان معادلة أفغانستان باقية ، وهي أن ما لا تحله القوة لا يحله مزيد من القوة ، وان معيار البقاء والرحيل هو مقارنة الكلفة بالعائدات ، فإذا بقي الوجود بعائدات محدودة وكان بلا كلفة فلم العجلة على الانسحاب ، أما اذا صار بكلفة عالية فلم البقاء ولو كانت العائدات المرتقبة عالية لكنها تستدعي حربا .
- هذه العبرة تشكل أساس الرابط العضوي بين حروب اميركا في آسيا ، وخصوصا بن حربي أفغانستان وسورية .
2021-07-15 | عدد القراءات 1749