الأسد في القسم : الهوية تحدد القضية والأسوأ صار وراءنا
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- القيمة المفصلية لخطاب القسم للرئيس السوري بشار الأسد ، تأتي من صفتين تلازمان الخطاب ، الأولى هي صلة القسم كصفة بالمطلق واليقين والملزم ، والثانية مناسبة القسم في بداية ولاية رئاسية يرسم لها خارطة طريق ، وقد قدم الرئيس الأسد في كلتيهما ما منح صفته المفصلية اسبابا كافية ، فقد كرس الأسد أغلب الخطاب لشرح مسهب للثوابت التي تصنع السياسة ، والخطوط الحمراء التي يكف الخلاف عليها عن كونه مجرد تباين في الآراء ، ومنح القسم الأخير من الخطاب لرسم مهام الغد القريب والمتوسط التي تشكل عناصر ومحاور ولايته الرئاسية القادمة ، وبذلك أدى الخطاب بالنسبة للسوريين خصوصا ، وللعرب عموما ، وللعالم بصورة عامة ما يحتاج كل منهم أن يعرفه عن سورية اليوم وغدا .
- بالنسبة للبعض ربما يكون البحث المفصل الذي قدمه الأسد عن الهوية والإنتماء والبديهيات والمسلمات ، نوعا من الشرح الفلسفي والعقائدي ، لكنه في السياسة إعلان لحدود ما يمكن حله والتفاوض عليه في السياسة ، وما لا يقبل البحث والتفاوض ، فالهوية العربية هي القاعدة التي يقوم عليها الوطن السوري ، وتنهض بها الدولة السورية ، والعروبة هنا بعد حضاري يتسع لغير العرب ، لا قبول فيه لهويات موازية ، وهذا حسم خالص ومطلق لكيفية المقاربة الممكنة لما يعرف بالمسألة الكردية ، ووفقا للهوية تتحدد القضية ، وقضية العروبة فلسطين ، وقضية سورية المتفرعة عن الصراع مع كيان الإحتلال هي استعادة الجولان ، وما يرقى الى مستوى القضية لا يقبل المساومة ، والاحتلال الى زوال ولو بعد حين ، والتركي محتل والأميركي محتل و"الإسرائيلي " محتل .
- في مضمون رسائل الهوية والقضية أن التسرب الفكري من حولها ، أسس للأزمة ، وإذا كان التسرب الأول هو في أوهام هويات بديلة أو رديفة ، والتطرف والتعصب في مقاربتها ، ما أسس لظهور الإرهاب ، وملاقاة الأجنبي ، الذي إستقدم بدوره الإرهاب ، فإن التسرب الفطري الثاني هو في تهوين مكانة الهوية والقضية ، واعتبارها مجرد وجهة نظر فتساوى الوطني والخائن ، وتعادل المتمسك بالدولة مع الإرهابي ، وصارت الثوابت الوطنية مجرد سردية يمكن النقاش فيها حول الأزمة ، ولا مشكلة بتعديلها بحثا عن حلول ومخارج من الأزمة ، وفي مواجهة هذين التسربين يقيم الأسد سدا منيعا ، برد الإعتبار لإنشاء خط فاصل بين سورية التي قامت بإرادة شعبها وتوحده خلف هوية وقضية ، وبين المشاريع التي تريد تقاسم فكرة الدولة بعدما فشلت في اقتسام بعض الجغرافيا ، والحل السياسي المنشود ، لا يجوز أن يقوم على المساس بهذه الثوابت .
- الأسوأ عسكريا وأمنيا أصبح من الماضي ، فلا عودة لخطر الإجتياحات ولا خوف من شن حروب ، ولا من سيطرة الإرهاب ، ورزنامة السوريين اليوم هي لمواصلة تحرير ما تبقى تحت الإحتلالين الأميركي والتركي ، وإن اقتضى الأمر منح المزيد من الوقت للمساعي السياسية ، لكن في نهاية المطاف لا مكان للاحتلال ولا للتقسيم ولا للتقاسم ولا لكل شكل من أشكال المساس بالوحدة والسيادة ، والأسوأ سياسيا مضى ايضا ، فليس على الطاولة اليوم مشاريع تقوم على فرضيات تمس وحدة وسيادة سورية ، أو تعيد تشكيل دولتها على أسس طائفية أو عرقية دفع السوريون ثمن إسقاطها دماء غالية ، أما الأسوأ إقتصاديا فهو نتاج الدمار الذي جلبته الحرب ، ولا خطر للمزيد منه ، ونتاج تقطيع أوصال البلد وضرب مقدراته الإنتاجية ، وقد بدأت استعادة المبادرة على هذا الصعيد بإتجاه معاكس ، ونتاج الحصار والعقوبات وقد بلغت مداها وقد تم فرز المدى الإقتصادي المتأثر بها عن الممكن بناؤه من خارجها ، ونتاج ضياع الودائع المصرفية في لبنان ، وقد ترتب عليها سقف ما يمكن أن يترتب ، وتعلم السوريون منها درسا بحجم أولوية إستثمار أموالهم في بلدهم .
- يرسم الرئيس الأسد مهام واقعية أمام ولايته الرئاسية ، فهي سياسيا وعسكريا ولاية إستعادة ما تبقى من الجغرافيا إلى الدولة السورية السيدة والموحدة ، وهي اقتصاديا ولاية بناء مقدرات الإكتفاء الذاتي صناعيا وزراعيا ، وإعادة تأهيل الإدارة وفق القواعد عصرية تسهل علاقة الدولة بالاقتصاد وتحاصر الفساد ، وببساطة الخيارات ووضوحها ، نبل الأهداف وعظمة التضحيات ، ترسم سورية في محيطها نموذجا جديدا للدولة التي قاومت وانتصرت ، وتتقدم في طريق البناء لتقديم مثال الدولة التي تبني وتنهض من الركام ، لتشكيل قاعدة انتاجية تحدثت عنها الأرقام التي قالها الأسد عن ثلاثة آلاف مصنع جديد يدخلون حيز العمل ، وعن مئة ألف منشأة صغيرة ومتوسطة يملأون فراغ الحاجات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحصار قريبا ، لتكتمل في سورية مواصفات الدولة المتقدمة والدولة المقاومة .
- الرئيس بشار الأسد بعد عشرين عاما من المسؤولية وقد خبر كل المعارك والتحديات ، وحقق الانتصارات والإنجازات ، هو القائد الذي تحتاجه الساحة العربية واحة خضراء في صحراء الفراغ .
2021-07-19 | عدد القراءات 1774