شهود الزور : تكرار المأساة بمهزلة نقاط على الحروف ناصر قنديل

شهود الزور : تكرار المأساة بمهزلة 

نقاط على الحروف

 ناصر قنديل

- عندما جاءت لجنة التحقيق الدولية في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري ، بمجموعة شهود الزور وأسست عليهم الاتهامات لسورية وعدد من اللبنانيين العسكريين والمدنيين ، نجحت بتسويق اتهاماتها لدى شرائح لبنانية واسعة ضمت يومها بعض الجمهور المناوئ سياسيا للواقفين وراء التحقيق ، فقد كانت مهابة التحقيق الدولي الذي يختبر للمرة الأولى وما يحيط به من هالة الدقة والتقنيات والمصادر المخابراتية مصادر تأثير لا يستهان بها ، وكان بالمقابل للسيناريو المصمم على طريقة حجارة الدومينو أن ينسي الناس كل تدقيق في حلقة سابقة بقوة وهج الحلقة التي تلي ، والتي كانت تزخمها دماء الإغتيالات وتوجيه الاتهام فيها على خلفية الخصومة السياسية لسورية وحلفائها كلما بردت حرارة الاتهام ، لكن رغم كل عناصر القوة فشل السيناريو وسقط القناع وبات التحقيق الدولي موضع استهزاء ، وسقط بقوة هذا الطعن بالمصداقية القضاء الدولي كمرجعية موثوقة ، خصوصا ان اصحابه بعد تشكيل المحكمة الدولية  لم يتجرأوا على فتح تحقيق بقضية شهود الزور كشرط لإستعادة مصداقيتهم .

- مع تفجير مرفأ بيروت جرى رمي سيناريو شبيه في التداول ، مرة بالحديث عن مخازن أسلحة وصواريخ لحزب الله في المرفأ استهدفتها صواريخ إسرائيلية ، ليس لإدانة إسرائيل بل لإدانة حزب الله ، لكن سرعان ما سقط السيناريو سواء مع تحقيقات متعددة المصادر ، أو لأن إتهام إسرائيل بذاته ممنوع حتى لو كان مقابله اتهام لحزب الله ، ثم بدأ السيناريو البديل عن أن نترات الأمونيوم جلبت لحساب الدولة السورية وأن حزب الله كان يتولى نقلها إلى سورية ، مستخدما مكانته وتأثيره على الوزارات والاجهزة القضائية والامنية والعسكرية ، وهذا السيناريو سقط رغم ما حشد له من افلام هوليودية ، لأن الخارج المعني لم يتعامل معه بجدية لأنه يعلم أن سورية دولة منتجة لنترات الأمونيوم بطاقة تعادل شهريا 20 ألف طن ، أي تقريبا عشرة أضعاف الكمية التي بقيت في المرفأ لسبع سنوات ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الكلام عن استجرار قرابة 2000 طن منها الى سورية في خمس سنوات ، فهذا يعني 400 طن في السنة ، وهو أقل من إنتاج سورية ليوم واحد ، ولأن سورية لا تحتاج هذه المواد المستخدمة في الأسمدة  فقد تراجع إنتاجها وخفضت طاقتها ، مع تراجع الاستثمار الزراعي بفعل الحرب ، حتى بلغت 87 ألف طن سنويا عام 2012 و16 ألف طن عام 2013 ، سنة وصول الباخرة ، الى مرفأ بيروت ، وكان يكفيها للحصول على ما يعادل حمولة الباخرة ان تشغل معمل حمص ليومين فقط .

- الهجومية التي يظهرها بعض اللبنانيين بالرغبة في تلبيس حزب الله تهمة النترات وتاليا التفجير ، لا تتناسب مع الحذر الغربي ، النابع من غياب سيناريو جاذب بلا مضاعفات جانبية تقدمه الجهات اللبنانية ، ولكن هذا الحذر مبني بصورة أساسية على أن أي تعمق في اعتبار التفجير ناتجا عن مخطط لجلب النترات لأغراض استخدامها كمتفجرات واستبقائها لهذا الغرض ، سيفتح الباب على مسؤوليتين تسبقان أي حديث عن حزب الله ، الأولى هي قوات اليونيفيل التي انشئت لها وحدة تفتيش بحرية تمارس الوصاية على المياه الإقليمية اللبنانية بموجب القرار 1701 ، ولا يمكن تجاهل تسهيلها لدخول النترات وتحملها مسؤولية أي توصيف يتضمن علاقتها بالاستخدام العسكري ، والتساؤل بالتالي عن شراكة أو تقصير يطعنان بأهليتها للقيام بمهامها ، سواء كانت النترات لحساب حزب الله أو سواه ، والثانية هي أن الجيش اللبناني الذي يشكل الخط الثاني لامساك امن المياه والمرفأ ومنع استخدامهما لاغراض عسكرية لحساب جهة غير الدولة اللبنانية ، والغرب حريص على عدم دفع الأمور باتجاه اضعاف مكانة الجيش ، ويبقى أنه في نهاية المطاف سيكون الاتجاه الوحيد لسيناريو الافادة عسكريا من استجرار النترات من المرفأ ببطء وابقائها في عنابره ، هو تهريبها لحساب الجماعات السورية المسلحة المدعومة من الغرب و المناوئة للدولة السورية ولحزب الله ، وربما استعمال بعضها في السيارات المفخخة التي تم تفجيرها في مناطق مؤيدة لحزب الله على يد جبهة النصرة وتنظيم داعش .

- هذا ما يفسر هزال وسخافة التركيبات الإعلامية التي تطل عبر بعض الشاشات ، رغم حشد المؤثرات الصوتية والتصويرية والفنية ،  وما تتضمن من فبركة لشهود زور يستدعون الشفقة على حالهم وروايتهم الركيكة ، في المرة الأولى كانت لعبة شهود الزور مأساة لكنها هذه المرة مهزلة .

2021-08-06 | عدد القراءات 1703