لا أريد لكم أن تكونوا سبابين شتامين
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- الكلام الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مخاطبته لجمهور المقاومة ونخبها وصناع الرأي فيها في سياق خطبته في مناسبة عاشوراء ، متناولا قواعد الحرب الإعلامية ، وتوقفه أمام الحاجة لنبذ لغة الشتيمة والتجريح الشخصي ، حتى في سياق الرد على الشتيمة والتجريح ، مستعيدا قول الإمام علي لقادة جيشه أثناء حرب صفين ، "لا أريد لكم أن تكونوا سبابين شتامين " ، بعدما بلغه أنهم ردوا على شتيمة قادة جيش معاوية لعلي نفسه بمثلها ، هام جدا وجدير بالتوقف أمام مشهد الخطاب السياسي والإعلامي الذي تحول إلى السباب والشتائم .
- الدعوات التي أطلقت استنكارا للتعرض لمقام البطريرك بشارة الراعي ، عبرت عن جزء من المشكلة التي يعاني منها التخاطب السياسي في لبنان منذ سنوات ، وهنا تجب المصارحة في جذور شيوع هذا المناخ ، حيث يسجل لقادة قوى الرابع عشر من آذار سبق الفتح والمبادرة مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري لابتكار نظرية الشتم السياسي تحت شعار الغضب ، وقد نال الرئيس السوري بشار الأسد النصيب الأكبر منها ، وقد زاره بعد سنوات اعتذارا عن إطلاق الإتهام السياسي لسورية بالإغتيال ، قائدان بارزان من قادة الحركة كان لهما باع طويل في إطلاق الشتائم منذ لحظة الاغتيال حتى زيارة كل منهما لدمشق ، ودليلا على ان الشتيمة كانت منهجا سياسيا واعيا وليست تعبيرا عن الغضب ، عاد هذان الزعيمان وغيرهما الى لغة الشتيمة بحق الرئيس السوري بعد أحداث سورية عام 2011 بدون وجود أي مقدمات لنزاع يخصهما أو يخص لبنان في تلك الأحداث ، والدلالة الأهم على أن الشتيمة كانت منهجا ، ما جرى مع السيد نصرالله نفسه إثر حرب تموز وتوصيف سلاح المقاومة بسلاح الغدر والخيانة ، وهذا كان قبل أحداث 7 أيار 2008 ، التي يمكن فهم الغضب والإنفعال خلالها ، وفي تصريح علني لأحد قادة هذه الحركة قال ، لقد حققنا إنجازا بإسقاط الهالة عن السيد نصرالله ، وجعله في التداول يشتم ويهان ، وفي ذلك كسر لمعادلة المهابة .
- لم يخف الأميركيون والإسرائيليون قناعتهم بنظرية إعلامية عنوانها كسر المهابة ، رافقها تنظير لموقع مهابة القادة في معادلات موازين القوى ، خصوصا عند الحديث الإسرائيلي عن مكانة مهابة السيد نصرالله في صناعة موازين الردع ، وبعد تجربة قوى الرابع عشر من آذار جاءت تجربة 17 تشرين التي خرج من اعتبروا أنفسهم قادتها ونصبوا أنفسهم ناطقين بلسانها ، للتنظير للتشيمة بصفتها جزء من صناعة موازين القوى لإسقاط ما يسمونه بالطبقة السياسية ، فصار "الهيلا هيلا هو " الذي استهدف والدة النائب جبران باسيل ، بالتعريض بشرفها ، مدعاة تفاخر بصفته إنجازا فكريا وثقافيا ، صنعته إحدى كبريات شركات الإعلان ، وقبضت لقاءه مبلغا دسما ، وهذا يؤكد النظرية وصاحبها الأميركي ، فقد سبق ذلك كلام الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان عن أولوية النيل من باسيل كمهمة راهنة في الحرب على حزب الله وكيفية استثمار الإنتفاضة في ذلك .
- في الحصيلة ثبت أن كل محاولات شيطنة الرئيس السوري والسيد نصرالله لم تغير في موازين الصراع ، فانتصرت سورية في حربها ووقفت اغلبية الشعب السوري وراء رئيسها وزادتها الشتائم تمسكا به وتماسكا معه ، وسجلت المقاومة بقيادة السيد نصرالله مزيدا من النمو الشعبي والعسكري وصناعة المعادلات الجديدة ، ولم تفت الشتائم في عضدها ولم تفلح في إضعافها ، وثبت بالفعل أن الشتيمة هي حجة الضعيف الفاقد للمنطق والحجة كما قال السيد نصرالله في دعوته لجمهور المقاومة للإبتعاد عنها ، لكن هذا لا يجب أن ينفي الحاجة لمراجعة فوارق حقيقية بين تورط بعض الغاضبين في جمهور المقاومة من كثافة الشتائم التي تلحق بهم وبرموزهم باللجوء إلى الرد على الشتيمة بمثلها ، دون أن يتورط قادة ورموز بمثل هذا الفعل ، ومهم جدا أن يدعوهم السيد نصرالله للامتناع عن ذلك ، وبين كون التجريح بالمقاومة ورموزها لا يأتي في سياق رد فعل جمهور غاضب من الشتيمة والتجريح ، بل هو متجذر وسابق لها عن سابق تصور وتصميم ، يأتي تعبيرا عن سياسة ، ولمن يحتاج إلى دليل ، نسأل ماذا يعني ان يغرد أحد قادة حركة الرابع عشر من آذار بإسمه الصريح فيقول "السيد نصرالله لا يستحي" ، وماذا يعني ان يغرد آخر علنا فيقول "السيد نصرالله يكذب" ، وماذا يعني ان يخرج مقام محترم بالقول ان حزب الله كله ليس لبنانيا وهو مجرد امتداد ايراني في لبنان ، ومعلوم أن هذا طعن يصيب في الكبد أسر آلاف الشهداء الذين سقطوا لتحرير لبنان من الإحتلال ، وقد سبق للمقام المحترم نفسه أن قال انه يقدر لهم تضحياتهم ، أليس هذا كله استفزاز لإستثارة الغضب ، ورغم صحة دعوة السيد نصرالله لإجهاض الهدف بعدم الاستجابة للاستفزاز وكظم الغيظ والغضب والرد بالحجة والمنطق ، يجب توجيه السؤال للذين استنكروا ما اسموه التعرض لمقام البطريرك ، ألم يكن أفضل لهم وللبنان أن يلتزموا هم أولا بوقف الشتائم ، وأن يتبنوا بحصيلة التجربة المرة الدعوة لميثاق شرف سياسي إعلامي يترفع عن التجريح والاهانات والشتائم ، ومعيار ما هو مقبول وماهو غير مقبول يبدأ من عدم طعن أحد بلبنانية ووطنية أحد ، وعدم تعرض أحد لأخلاق وقيمة أحد .
- نعم لا يجوز النيل من كرامة أحد ، والشتيمة إساءة لصاحبها قبل أن تكون إساءة لمتلقيها ، ومناقشة المقامات في قولها السياسي حق مشروع ، لكن المطلوب ان يكف البعض عن وهم الإعتقاد بأن الشتيمة تعدل موازين القوى ويشجع على ممارستها ويرفضها انتقائيا ونفاقا ، لأن الطريق لنبذها ، هو الإجماع على النبذ وفي كل إتجاه ، ومهما كانت جهود السيد نصرالله وأمثاله عظيمة ومشكورة ومطلوبة ، فيد واحدة لا تصفق لكنها تطلق النداء فهل من مستجيب ؟
2021-08-12 | عدد القراءات 3004