موت السياسة في لبنان
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- السياسة لا تعني التمترس والعناد وراء خيارات يمكن إثبات مبدئيتها ، والعجز عن تقديم الإجابات التي تلاقي أسئلة الناس اليومية وتقديم حلول واقعية قابلة للتحقق لها ، وبهذا المعيار يمكن لجميع القوى والقيادات التباري في تقديم مندرجات وتبريرات للسياسات التي تنتهجها ، سواء من شاركوا وتشاركوا في السلطة ، في الحديث عن حقوق الطوائف وتوازناتها ، أو من يلبسون ثوب الدعوة للإصلاح والتغيير ، أو من يعتبرون أنفسهم ثوارا ووكلاء حصريين لإنتفاضة 17 تشرين ، لكن كل هؤلاء يقفون اليوم عاجزين عن تقديم جواب واضح على السؤال الكبير الذي يعيش اللبنانيون تحت وطأته ، وهو كيف نؤمن مستلزمات الحد الأدنى من شروط العيش ، مع تفكك مؤسسات السلطة وإنحلالها وتحللها من تحمل مسؤولياتها .
- النكد والكيد السياسي يتفوقان على كل سعي واقعي للبحث عن مخارج إنقاذية ، تحت شعارات بسقوف عالية تتقاذف الإتهامات بتحمل المسؤولية ، ولا أحد يستطيع الإدعاء أنه يملك توازن قوى سياسي ودستوري يتيح له فرض خياراته منفردا ، وبالمقابل لا أحد يملك شجاعة الإعتراف بأولوية التوافق مع الآخر المختلف ، وبلا واقعية التطرف الذي يحكم مواقفه وسياساته ، فالشيئ الأكيد ان الأزمة الراهنة لا تحتمل انتخابات نيابية مبكرة ، وموعد الإنتخابات قريب بقياس الحديث عن الإنتخابات المبكرة ، وبعيد بقياس تفاقم الأزمة لا يحتمل إنتظاره ، و لا يمكن مواجهة الأزمة من خارج المؤسسات الدستورية ، وفي هذه المؤسسات ثوابت راهنة حتى يأتي أوان تغييرها ، ولا يحتمل اللبنانيون تبعات رهانات البعض على إلغاء البعض الآخر ، أو تحميله تبعات الإنهيار أملا بإعلان النصر ، والثوابت هي ان لا إمكانية لتوفير أغلبية نيابية يحتاجها رئيس الجمهورية ، ومن خلفه التيار الوطني الحر ، لأي حل ، دون رئيس مجلس النواب وحركة أمل ، ولا حتى من دون الرئيس السابق سعد الحريري وتيار المستقبل ، والثوابت بالمقابل هي ان سنة وشهور قليلة باقية من عهد الرئيس ميشال عون لا يمكن الحديث عن حلول خلالها من دون شراكته وتوقيعه ، وبالتالي كل تنابذ بين هذه الأطراف أو تجاهل من بعضها للبعض في ضرورات الشراكة ، والإكتفاء بتبادل الإتهامات ، هو علامة لا مسؤولية ودليل على موت السياسة .
- منذ سنة إستقالت حكومة الرئيس حسان دياب ، بعد إجتماع فشلها مع خطط جدية لإفشالها تشارك فيها الحلفاء والخصوم ، ومنذ سنة والمشهد المتكرر له عنوان واحد ، هو العجز عن تحمل حكومة تصريف الأعمال ووزرائها لمسؤوليات تقتضيها مواجهة الأزمات المتفاقمة ، وعجز وفشل المعنيين بتشكيل حكومة بالإنتقال من حال تصريف الأعمال الذي لا يغني عن وجود حكومة أصيلة مهما كان تصريف الأعمال فاعلا ، والواضح بلا لبس أن تفعيل حكومة تصريف الأعمال أشد صعوبة من تشكيل حكومة جديدة ، والتمسك به عنوانا بات تعبيرا عن محاولة التنصل من مسؤولية الفشل في المهمة الأصلية ، وهي تشكيل حكومة أصيلة مضت سنة على الحاجة لولادتها ، ويجب ان يعترف المعنيون على إختلاف أدوارهم ومواقعهم وحجم مسؤولياتهم ، ان كل من يملك تأثيرا في ولادة الحكومة اتي تشكل نقطة الإمساك الحتمية بعناصر الإنهيار ، ويتولى تبني شروط ترتبط بالأحجام والأوزان وشكل التمثيل السياسي وحجم الحضور الحزبي ، تأييد أو إعتراضا ، يتحمل مسؤولية السير بالبلد نحو الإنهيار ، لأن كل قضايا النزاع الحكومي لا ترقى لمستوى الفوائد التي ترتب على تشكيلها ، بعدما تقلص تطلع اللبنانيين من دولة ترعاهم إلى دولة لا تتسبب بموتهم .
- المقاومة التي تشكل حسب مزاعم الكثيرين القوة الأهم في صناعة السياسة ، هي فعلا الأقل تأثيرا في معادلات تستحضر توازنات الطوائف وصلاحيات الرئاسات ، وسقف ما كان يمكن طلبه منها فعلته ، وهو الشراكة في تسمية لم تكن متوقعة منها للرئيس المكلف وتخفيض سقوف الطلبات إلى أدنى من الأدنى ، وحث الغير على فعل المثل ، والإستعداد لفعل ما يمكن فعله إذا بقي البلد دون حكومة و وقع الإنهيار ، لكنها لا تملك مفاتيح رد الإعتبار للسياسة التييستقيل منها الآخرون ، بما هي القدرة والمسؤولية في مجال رعاية الشأن العام للناس ، فهل يمكن للآخرين وخصوصا المعنيين مبشارة بتشكيل الحكومة أن يقولوا أنهم جاهزون لحكومة دون شروط فئوية وطائفية وحزبية ، وهل يملكون خطابا يمكن له تفسير عائدات العقد والخلافات التي تؤخر ولادة الحكومة على حياة الناس ومعيشتهم ومواجهتهم لتحديات باتت أقرب للوجودية مع تفاقم السير السريع نحو الإنهيار ؟
- موت السياسة هو أن لا يكون باب التغيير مفتوحا وأن يكون توافق القوى السائدة شرطا لأي خيار ، وأن يكون هذا التوافق معطلا بقوة التشظي والفئويات والحسابات الضيقة والصغيرة ، وكل شيئ يصغر أمام ما يعانيه الناس اليوم .
2021-08-14 | عدد القراءات 1378