اعلان نهاية زمن القوة وتفكك الناتو والولايات المتحدة نقاط على الحروف ناصر قنديل

اعلان نهاية زمن القوة وتفكك الناتو والولايات المتحدة 

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- تقول القرون الثلاثة الماضية ان الدول الغربية التي تولت بالتتابع قيادة الغرب بمشاريع إستعمارية لم تبن قوتها العسكرية لحفظ أمنها ، أو الدفاع عن جغرافيتها ، او ردع من يستهدفها ، فالبرتغال وهولندا وأسبانيا وبريطانيا وفرنسا ، وقد ورثتهم جميعا وتولت توحيدهم وقيادتهم أميركا ، بنوا قواهم العسكرية وحرصوا على فائض قوة هائل ، لمنح المشروع الإستعماري الذي ظهر مع النهضة الصناعية  كتتمة لابد منها للسيطرة على مصادر المواد الخام ، والمعادن خصوصا والنفط والغاز لاحقا ، والإمساك بالأسواق الإستهلاكية ولاحقا باليد العاملة المهنية الرخيصة  ، وبدا واضحا أيضا أن كل تغيير شهدناه كان في شكل المشروع الإستعماري وعناوينه وليس في جوهره ، فالحديث عن تصدير الديمقراطية هو تتمة الحديث عن تعمير بلدان ما وراء البحار ، والقوة العسكرية كانت دائما هي أداة الإخضاع والردع وبناء الحكومات التابعة ، وحول هذه القوة تم بناء الأحلاف ، ورسمت السياسات ، وجرى تحديد الإستراتيجيات .

- عندما يقف الرئيس الأميركي ومن خلفه النخبة الحاكمة للإعلان عن أن الإنسحاب من اأفغانستان هو إيذان بنهاية زمن صناعة السياسة بواسطة القوة العسكرية ، وأن هذا الإنسحاب يترجم معادلة جديدة قوامها عدم إستعمال القوة العسكرية لبناء دول تتبع النموذج الغربي ، فهو يعلن نهاية قرون شكلت خلالها هذه القوة العسكرية صانع السياسة الأول ، وكانت مهمتها الرئيسية بناء حكومات تابعة في دول العالم ، وهذه النهاية ستطرح أسئلة كبرى حول نوع القوة التي يحتاجها الغرب الذي تقوده أميركا للمهمة الجديدة التي قال الرئيس الأميركي أنها تنحصر بحماية الأمن القومي من خطر الإرهاب ، وردع أي محاولة للإعتداء على الداخل الأميركي ، كما يطرح السؤال حول مبرر الإحتفاظ بتلك القوة التي كانت لازمة لإخضاع العالم وخوض حروب السيطرة والهيمنة ، وإستطرادا ما هو مبرر بقاء حلف الأطلسي الذي قال قادته أنه يحصد أكبر هزيمة في تاريخه ، وقال قادته أن زعيمة الحلف قد خذلتهم ، وأنهم عاجزون عن رسم سياسات بديلة من دونها ، والسؤال حول  مستقبل حلف الأطلسي ليس مبالغة  ، فالدول المنضوية في الحلف لا تخشى من غزو خارجي بل كانت تتطلع لغزو بلاد الآخرين ، فإذا كان هذا زمن مضى فلم تحتفظ بتمويل ولم تخصص الجهود والجنود للحفاظ على هذا الحلف ؟

- في الولايات المتحدة الأميركية ستتم عملية فك تركيب إقتصادية وسياسية وفقا للمنظور الإستراتيجي الذي فرضته الهزيمة في أفغانستان ، فالقطاعات الإقتصادية المرتبطة ببناء الجيوش وتجهيزها وتخديمها ، غير تلك الخاصة بالأسلحة النووية ، باتت بلا جدوى ، وحجم الجيوش صار موضع نقاش ، والإنتشار العسكري في العالم صار بحاجة الى تدقيق ، لصالح نظرية الحفاظ على بعض الوجود النوعي المتحرك بحريا لحماية الملاحة في الممرات والمضائق ، وترك اليابسة ، وفي ظل فشل حروب السيطرة والصعود الروسي العسكري التقليدي ، والصعود الصيني الإقتصادي ، بالإضافة لذلك وتداعياته البنوية ، وفي ظل هذه التحولات ، يحق للشركات الأميركية التي كانت تستثمر على القوة العسكرية طلبا للسيطرة على المواد الخام والأسواق ، وفرض معادلات التسعير في هذين المجالين بما يناسبها ويضعف فرص منافسة خصومها ، أن تسأل عن مبرر مواصلة ذلك ، وبمثل ما كانت عملية نهب المستعمرات وتحويلها الى اسواق استهلاكية ، مصدر الرفاه الداخلي في بلدان الغرب ، ستخرج الولايات الغنية في أميركا ومثلها الولايات البيضاء العنصرية ، لتسأل عن مبرر البقاء تحت ظل الدولة الفدرالية والقيام بتمويلها ، طالما ان هذه الدولة الفدرالية تستقيل من المهمة الرئيسية التي كانت تبرر وجودها ، وهي مهمة الهيمنة على العالم ، تحت شعارات الديمقراطية .

- الهزيمة الأميركية والغربية في أفغانستان زلزال عالمي أكبر من زلزال فييتنام ، وتداعياته على الداخل الغربي والأميركي ، أكبر من تداعيات الإنسحاب  على أفغانستان ودول الجوار ، فالتداعيات الإقليمية تبدو تكتيكية وقابلة للإحتواء من القيادات الأفغانية ودول الجوار ، بخلاف التداعيات الغربية والأميركية  التي تبدو إستراتيجية ان لم تكن وجودية اصلا ، ويبقى السؤال الكبير الذي يطرحه قادة كيان الإحتلال هل يشمل هذا التغيير فرضية القتال الأميركي دفاعا عن الكيان اذا ظهر مهددا بالزوال ومعرضا للتفكك ؟

2021-08-18 | عدد القراءات 1506