اكتمال مشروع المقاومة الإستراتيجي
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- خلال أربعة عقود نجحت المقاومة بتقديم نموذج استثنائي لمقدرتها على بناء مشروع قادر على تحرير الأرض وردع العدوان ، وتحولت بفعل فائض القوة الذي راكمته والمكانة الأخلاقية التي رافقت مسيرتها ، والمواهب الإستثنائية التي تميز بها قائدها السيد حسن نصرالله ، الى قوة إقليمية يحسب حسابها في كل أحداث المنطقة ، ونجحت بتوظيف كل ذلك لهزيمة مشروع الهيمنة الأميركية في سورية والعراق واليمن كشريك للقوى والحكومات والجيوش ، وعممت معادلة الشعب والجيش والمقاومة على ساحاتها ، لتتوج ذلك كله ببلورة معادلة حماية القدس بعد المعركة الباهرة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في غزة ونتائجها ، تحت عنوان حماية القدس تعادل حربا إقليمية ، لكن المقاومة التي راكمت خبرات ادارة الملفات السياسية والدبلوماسية ، وتفاعلت مع قوى ودول اقليمية ودولية ، فتعرفت على روما من فوق بعدما عرفت روما من تحت كما تعرف كف يدها ، وصارت عضوا معترفا به في نادي اللاعبين الكبار ، نجحت بالتقرب من الملفات الإقتصادية الإستارتيجية ودراستها بهدوء ، واكتشاف القطب المخفية فيها ، والعقد التي تفسر أزماتها وشبكات المصالح التي تحركها ، للتهيأ خلال السنوات الخمسة عشر الماضية للحظة تحول نوعي في مسارها ، كانت تنتظر التوقيت المناسب .
- لم يكن لمشروع المقاومة الإستراتيجي كحركة تحرر وطني كاملة الأوصاف أن يكتمل على مستوى المنطقة ، وليس على مستوى لبنان فقط ، لإستحالة اكتماله لبنانيا دون المنطقة أصلا ، إلا إذا بلورت المقاومة على الطريقة التي كانت تبلور فيها خطواتها النوعية المفصلية في مسيرتها العسكرية كمقاومة مسلحة ، مفاتيح تشكل نقاط إتصال بنيوية بين الملفات الحاسمة في المشاهد الإقتصادية والسياسية والإستراتيجية في آن واحد ، تعيد من خلالها فك وتركيب هذه المشاهد على عناصر جديدة ، تتمثل بفرض حضورها المتفوق أخلاقيا والملتزم إجتماعيا بالناس وبسطائهم وفقرائهم ، لتكسر المعادلات السائدة ، وتنشئ معادلات جديدة تراكمية ، تتيح شق الطريق لمسار تنموي واجتماعي وسياسي يحمل مفهوم التغيير الجذري ، الذي كان يسطحه بعض المتحمسين بتوجيه الدعوات للمقاومة لقلب الطاولة بقوتها العسكرية في لبنان والغرق في مستنقع اللعبة الطائفية ونزاعاتها ، والمخاطرة بفقدان تفوقها الأخلاقي ، ومهابتها العسكرية ، وحكمتها السياسية .
- رمت التطورات الدولية والإقليمية الدراماتيكية الناشئة عن صعود محور المقاومة بعد معركة سيف القدس وعن التراجع الأميركي بعد الإنهزام في أفغانستان من جهة ، والتطورات الإقليمية واللبنانية التي ظهرت خلالها المكانة المحورية لقطاع الطاقة بعنواني الكهرباء والنفط وصولا للطاقة النووية كقطاع قيادي في صناعة عمادلات الإقتصاد الداخلي والإقليمي والدولي وصناعة السلم والحرب وصياغة السيطرة على البحار والتفاوض على الحدود السيادية ورسم العلاقات بين الدول وداخلها بين الكتل الكبرى ومصالحها ، من جهة ثانية ، ودخول الأزمة المعيشية والإجتماعية والإنسانية في لبنان حد الإنفجار والإنهيار الكبير ، في مقابل توحش آلات صناعة السياسة والإقتصاد وإنصرافها لمراكمة ارباح خيالية تعادل في قطاع الطاقة عشرة أضعاف الرساميل الموظفة في كل عملية متاجرة ، أي بمعدل مراكة الراسمال الف ضعف في السنة ، بينما تهاوت الطبقات الوسطى ، وزاد الفقر اتساعا ، وتبخرت الودائع المصرفية كمخزون وقائي لمواجهة الأزمات ، وتهدد قطاع الإستشفاء وصارت العتمة على الأبواب ، في ظل انسداد سياسي امام المسار الحكومي وسادية اقتصادية يمارسها الخارج والداخل املا بأن تسقط المقاومة مع سقوط الشعب اللبناني في القعر العميق للإنهيار ، من جهة ثالثة ، لتقدم التوقيت الإستراتيجي والعنوان المحوري في ضربة واحدة لتتقدم المقاومة نحو النقلة التاريخية لإكتمال مشروعها .
- المسألة الآن ليست سفينة مازوت ولا سفن محروقات ، بل معادلة مركبة متعددة المراوح والشفرات ، لصياغة بيئة سياسية اقتصادية استراتيجية جديدة في المنطقة الممتدة من مضيق هرمز حتى سواحل لبنان وسورية ، وموقع خطوط نقل الطاقة فيها ، وتوازناتها ومعادلاتها ، وبالتوازي بيئة سياسية اقتصادية استراتيجية داخل دلوها انطلاقا من المسار الذي ستسلكه التجربة اللبنانية ، والمقاومة عندما تحزم أمرها وتعلن إبحار سفنها فهي تعلن بدء مسار سيمتد طويلا في مراكمة البناء ، فالمقاومة تقرر الجمع بين مسؤوليتها الراسخة في صناعة وتطوير معادلات الردع المتصلة بالمواجهة مع كيان الإحتلال حتى لحظة تاريخية مشبعة بمصادر القوة والمشروعية الأخلاقية تندلع خلالها شرارة إشتباك يتحول منازلة كبرى تنتهي بزوالة ، وبين دخولها حقل الألغام الشائك للغرف السوداء التي تسيطر على سوق الطاقة وممراتها ، واحتكاراتها المحلية والإقليمية ، طريقا لبلورة مشروع تنموي وطني قابل للتكرار كالمقاومة ، بعمق إنساني إجتماعي غير قابل للمساومة .
- التفاعل الأميركي والإسرائيلي مع قرار المقاومة يكشف حجم الخطوة والقرار ، فالجواب الأميركي الإسرائيلي تلاقى تحت عنوان واحد هو سورية ، واشنطن سارعت لفك جزء من عقوباتها على التعامل مع سورية لفتح الطريق امام الغاز المصري والكهرباء الأردنية نحو لبنان ، كتعبير عن خيار قبول التنافس مع المقاومة ممثلة بحزب الله بدلا من خيار المواجهة في لحظة التراجع الترايخي مع هزيمة أفغانستان المذلة ، وكيان الإحتلال قرر الهروب من المواجهة نحو تصعيد الغارات على سورية لإجتذاب الضوء الى هناك والتغطية على العجز عن خوض مواجهة قد تتحول الى احرب التي تحتاج المقاومة الى درجة من المشروعية لخوضها يوفرها عنوان الحاجات الإنسانية للبنانيين ، لكن التلاقي على عنوان سورية ليس عابرا ، هو كلمة السر التي تختصر حلقات الصراع المقبلة ، فحجر الرحى في التوازانات بين مشروع المقاومة ومشروع الهيمنة والإحتلال كان ولا يزال سورية ، وهناك ستدور مواجهة من نوع مختلف سياسيا وإقتصاديا وعسكريا ، مع محور تقع المقاومة في قلبه ، لكنه هناك يضم شريكين دوليين كبيرين ، واحد متجذر راسخ عسكريا منذ سنوات هو روسيا ، وثان وافد بقوة حضور اقتصادي وازن هو الصين ، وقوة هذه الشراكات المرشحة للمزيد من النمو ، في مناخات ما بعد أفغانستان ، ستمثل عنوانا مركزيا في صورة المشروع الجديد الذي ترعاه المقاومة تحت شعار فك الحصار وتفكيك الإحتكار وفقا لمعادلة التوجه شرقا .
- التعليقات الصادرة عن خصوم المقاومة من القيادات اللبنانية بدت تافهة دون مستوى الحدث ودون مستوى النقاش ، وهي بدت مجرد ظاهرة صوتية في واد بعيد ، أوطلقة خلبية في منطقة مفتوحة ، أو معلبات سياسية منتهية الصلاحية بعد صدور الموقف الأميركي .
2021-08-21 | عدد القراءات 1719