أولويات جديدة لواشنطن تصيب الحلفاء بالذعر
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- لم يعد مهما النقاش مع الذين حاولوا بحسن نية ومخاوف مشروعة ، أو بسوء نية لتجميل صورة الهزيمة الأميركية ، بالقول ان واشنطن انسحبت من افغانستان ضمن خطة هجومية لتفجير ألغام بوجه روسيا والصين وإيران ، فكل ما جرى منذ الإعلان الأميركي بدء الإنسحاب يظهر حجم الإرتباك الأميركي ، وحجم الإنهزام السياسي الذي تتحرك تحت وطأته ، وجاء المثال غير المسبوق في كيفية التعامل الأميركي مع ما بعد تفجيرات مطار كابول وسقوط الجنود الأميركيين بين قتلى وجرحى ، وخروج القيادة الأميركية بعدها لتسريع الإنسحاب غير آبهة بمعنويات جيشها وسمعتها ومهابتها ، التي كانت إصابتها بأضرار أقل مما حدث في مطار كابول كافية لغزو دول وإشعال حروب ، ونصف النفوذ في العلاقات الدولية يقوم على المعنويات والمهابة ، ويظهربالمقابل أن الثلاثي الروسي الصيني الإيراني يتفاعل إيجابا مع ما بعد الإنسحاب الأميركي من أفغانستان ، ورغم كل الحذر الذي حكم تاريخ العلاقة بحركة طالبان ، تبدو علاقات الثلاثي مع طالبان وافغانستان ما بعد الإنسحاب مفتوحة على المزيد من الإيجابية ، ويكفي كمثال ، بقاء السفارات العائدة لهذه الدول في كابول تقوم بمهامها ، في ظل سيطرة طالبان وعدم شعورها بالذعر الذي إجتاح السفارات الغربية ، وتاليا الإمتناع الروسي الصيني عن التصويت على المشروع الفرنسي البريطاني الذي أقره مجلس الأمن ، والذي يخاطب طالبان بلغة التحذير والشروط .
- لم تعد واشنطن تخفي الخلاصة الرئيسية التي حكمت قرارها بالإنسحاب من أفغانستان ، وتحملها الجراح المعنوية لتبعات الإنسحاب ، والجراح المادية التي رافقته ، وجوهر هذه الخلاصة كما بكرر الرئيس الأميركي جو بايدن ، أن القوة العسكرية لم تعد أداة صالحة للتأثير في نوعية أنظمة الحكم في الدول التي كانت تلجأ واشنطن الى الحرب لإلحاقها بمعسكر التبعية ، وفرض المثال الغربي عليها ، ورسم سقف جديد لمبررات التدخلات العسكرية يجعل الأمن القومي الأميركي هدفا وحيدا تستخدم القوة العسكرية في حمايته ، والمقصود هو حماية الداخل الأميركي من أي خطر حصرا ، وهو هدف وجود القوة العسكرية في الدول الصغرى ، بعكس كل نظريات المدى الحيوي للمصالح الذي قامت عليه نظريات التوسع والهيمنة ، وتمييز الدول الكبرى والدول العظمى عنها ، واللجوء الى الأدوات السياسية والإقتصادية والحروب الناعمة لتحقيق المصالح الإستراتيجية الأميركية ، وفقا لما يرسمه بايدن وإدارته ، في الحديث عن مواجهة قادمة مع الصين أو مع روسيا ، وخصوصا مع إيران ، وبالبداهة فإن من عجز عن تغيير أفغانستان بالقوة لا يمكن أن يفكر بالحرب مع إيران .
- يثير المنهج الجديد لرسم الأولويات الأميركية عاصفة من التداعيات ، لدى أقرب الحلفاء لواشنطن ، ولا يحتاج المرء الى التنقيب عن المواقف الصارخة والمتكررة في دول حلف الناتو الأهم ، سواء بريطانيا أو فرنسا أو سواهما ، ليكتشف مصطلح الخيانة الأميركية ، أو أن واشنطن ظهرت حليفا لا يمكن الإعتماد عليه ، أو حليفا غير جدير بالثقة ، والوصول لإستنتاجات من النوع الذي صاغه جوزيب بوريل مفوض السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي عن الحاجة لبناء قوة عسكرية أوروبية مستقلة عن واشنطن والناتو للدفاع عن المصالح الخارجية لدول الإتحاد ، وهو كلام كاف للتعبير عن الذعر الذي يصيب الحلفاء الذين بنوا سياسات دولهم على الإستثمار المشترك في الحروب تحت الراية الأميركية ، ويسمعون بالتغيير الأميركي من الإعلام ، وهو ما قصده بوريل بعدم سؤال أوروبا عن رأيها ، والقصد ابعد من قرار الإنسحاب من أفغانستان ، وهو جوهر التخلي عن الرهان على القوة العسكرية لفرض المصالح السياسية ، وهذا يكشف حجم الذعر الأوروبي من الإستراتيجيات الأميركية الجديدة ، بمعزل عن مدى قدرة أوروبا على بلورة تدخلات عسكرية مؤثرة دون الإستناد على القوة الأميركية ، وهو ذعر لا يخص أوروبا وحدها ، بل يصيب كل الحلفاء الذين بنوا علاقتهم بواشنطن ، على حجم تأثير قوتها العسكرية ، وبنوا سياساتهم وعدواتهم وصداقاتهم على إعتبار هذه القوة وتأثيرها عاملا غير قابل للتغيير .
- في طليعة المذعورين في المنطقة ، ثلاثة ، كيان الإحتلال الذي سارعت نخبه السياسية للحديث عن قلق مصيري ووجودي في ضوء الإستراتيجية الأميركية الجديدة ، التي عبر عنها قرار الإنسحاب من أفغانستان ، والذي يتوقع "الإسرائيليون " أن تليه إنسحابات ، ولو تأخرت قليلا ، من العراق وسورية ، ويبشرون بمرحلة قادمة عنوانها "إسرائيل" وحيدة ، أمام موازين قوى تغيرت بعكس صالحها في المحيط القريب والبعيد ، الطرف الثاني الذي بدأ يستشعر بالخطر هو القيادات الكردية التي عملت في سورية تحت راية الإحتلال الأميركي ، وقطعت كل جسور التواصل مع الدولة السورية بوهم أبدية الحماية الأميركية ، أما الطرف الثالث الذي لا يخفي ذعره فهم عرب التطبيع الذين يشعرون بأنهم قد يكون عليهم دفع فواتير سيرهم وراء النصائح الأميركي بالتطبيع ، فيما الأميركي غير مستعد لحماية توقيعه وموقعه في الصور التذكارية ، مستعيدين تجربة الإنسحاب الأميركي من لبنان وما رافقه من تداعيات يرويها الرئيس السابق أمين الجميل في مذكراته ، وتركه يواجه وحيدا التركة الأميركية المسماة بإتفاق السابع عشر من ايار الذي لم يصمد طويلا بعد هذا الإنسحاب ، بعدما صار إلغاؤه شرطا لإستعادة الحد الأدنى من الإتسقرار مع الداخل اللبناني والجار والشقيق السوري الذي أخذ الأميركي على عاتقه تحجيمه لحماية الإتفاق ، كما وعد دول التطبيع بتحجيم إيران .
- البعض يضع قمة بغداد بين قوسين ، بصفتها قمة المذعورين ، لوصل منخفض مع إيران إستعدادا للآتي ، كي لا يكون أعظم ، بعد إنسحابين متوقعين للقوات الأميركية من كل من سورية والعراق .
2021-09-01 | عدد القراءات 2276