النفط والغاز بين مرسوم الترسيم ومنع التلزيم
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يدور نقاش صحي منذ مدة حول موضوع توقيع مرسوم خاص بتعديل احكام المرسوم الذي ينص على الحدود البحرية للبنان جنوبا ، لكن بعد المعلومات التي تم تداولها حول قيام الشركة اليونانية (انرجيان)التي رسى عليها من قبل كيان الإحتلال ، التزام استخراج الغاز من الحقول القريبة من المياه اللبنانية والمتداخلة معها ، بتلزيم الإستثمار في حقول حساسة منها للشركة الأميركية المعروفة بتاريخها الأسود في العراق في تخديم قوات الإحتلال الأميركي ، وهي شركة يترأس مجلس إدارتها نائب الرئيس السبق جورج بوش ، ديك تشيني ، بدا ان دعاة توقيع المرسوم وجدوا في هذه المعلومات ضالتهم للقول ان عدم توقيع المرسوم فتح الباب لهذا الإعتداء الجديد على الثروات اللبنانية ، وان عدم توقيع المروسم حرم لبنان من فرصة الإحتجاج لدى الفريقين الأممي والأميركي الشريكين في التفاوض غير المباشر الهادف لترسيم الحدود البحرية ، وطلب تدخلهما لوقف هذا الإعتداء .
- النقاش حول الحاجة للمرسوم وكيفية التعامل معه مفيد ، لكن الربط الذي جرى بين هذا النقاش وما شهدناه أمر آخر ، وما يجب توضيحه على هذا الصعيد من زاوية مقاربة المصلحة الوطنية بعيدا عن تسجيل النقاط السياسية ، هو أن التلزيم " الإسرائيلي " للشركة اليونانية (انرجيان) التي اعلنت عن اكتشاف كميات ضخمة من الغاز في حقل كاريش قبل سنتين تماما ، يعود لما قبل تاريخ إعلان إتفاق الإطار من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري ، حول التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود البحرية ، ومن أحد مندرجات إتفاق الإطارتجميد كل عمليات التنقيب في المناطق المتداخلة ، ومنها كاريش القريب من البلوك 9 ، بحكم إتصال حقول النفط والغاز تحت المياه ، وامكانية تعرض مخزون احدها للسرقة من خلال منصات إستثمار الاخر ، وخلال جلسات التفاوض التي عقدت في الناقورة ، أكد المفاوض اللبناني على هذا الطلب بالتجميد بإعتباره شرطا لسلامة العملية التفاوضية ، ولقي هذا الطب موافقة أممية وأميركية ، وتعهدا من جانب الوفد المفاوض لكيان الإحتلال بالتقيد والإلتزام يتجميد كل شيئ بإنتظار نتائج المفاوضات .
- من الزاوية القانونية الأمر لا التباس حوله ، ان مجرد انعقاد طاولة التفاوض مباشرة كانت ام غير مباشرة يلزم الأطراف المتفاوضة بتجميد كل ما يسمى بالإجراءات الأحادية ، ومن يتابع مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وأثيوبيا يعلم أن الإعتراض المصري والسوداني يدور حول مبدأ الإمتناع عن الإجراءات الأحادية وإنتهاكه من الجانب الأثيوبي ، وفي خصوصية الخرائط الجديدة التي إعتمدها الجانب اللبناني فإن النقاش لا يدور حول ما إذا كان النقاش حولها لا يزال داخل لبنان ، فمن المعلوم ان المفاوضات تجمدت بفعل تقديم هذه الخرائط ، ثم استأنفت على قاعدة العلم بتمسك المفاوض اللبناني بها ، ما يعني انه ليس موضع التباس ما اذا كان الفريق الأممي والفريق الأميركي قد تبلغا بهذه الخرئط وتلقيا نسخا عنها ، واستطرادا ما اذا كان الجانب "الإسرائيلي" يعلم علم اليقين بأن أي إستثمار في حقل كاريش يشكل حسما من طرف واحد لنتائج المفاوضات ، وبالتالي إطاحة بها ، ويعلم مثله الجانبان الأممي والأميركي .
- من الثابت قانونا من دون الحاجة لوجود مرسوم ، وإيداعه لدى الأمم المتحدة بدلا من الترسيم السابق ، أن لبنان عبر وفد رسمي معتمد من حكومته وسلطاته الدستورية ، تقدم بخرائط جديدة ، ومن الثابت من محادثات المسؤولين الأممين والأميركيين مع المسؤولين اللبنانيين ، بموجب محاضر رسمية موثقة ، من أعلى المستويبات الدستورية والعسكرية ، أن هذه الخرائط معتمدة من الدولة اللبنانية ومتبناة من قبلها ، وأن المفاوضات تتم وفقا لهذا الوضوح ، ومن الثابت بالتالي من الوجهة القانونية ان حق لبنان بتجميد كل إجراءات أحادية لا تشوبه شائبة ، وأن مسؤولية الجانبين الأممي والأميركي كوسيط التحرك العاجل لوقف هذه الإجراءات الأحادية تحت طائلة إعلان نهاية التفاوض وفشله وتحميل الجانب الإسرائيلي المسؤولية ، وكل كلام آخر تلاعب بالكلمات .
- الإشارة واجبة إلى أن بعض التقارير الجدية تتحدث عن عدم وجود أي تحرك جدي نحو العودة للتنقيب المجمد في حقل كاريش وأن الإثارة الإعلامية مصدرها أميركي لتحريك المفاوضات ، وأن الجانب الأميركي في إطار التبدل الذي ظهر مع رفع الحظر عن استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية الى لبنان عبر سورية ، يرغب بالتوصل لتفاهم سريع على الترسيم البحري وفتح طريق التنقيب عن الغاز والنفط تفاديا لتوتر قد يمنح حزب الله فرصة شبيهة بتلك التي نتجت عن أزمة المحروقات ، وفتحت طريق سفن المازوت الإيرانية عبر سورية ، خصوصا مع الإشارة الواضحة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى ملف النفط والغاز و وجود عروض إيرانية لإستخراج النفط والغاز دون إقامة حساب للتهديد الإسرائيلي ، بما يعيد للذاكرة أن قضية استيراد المحروقات من ايران بدأت بعرض للحكومة اللبنانية وتحولت في النهاية الى قيام حزب الله بالمهمة .
- تصوير لبنان في موقع الضعف في غير مكانه ، ليس في قضية مرسوم الترسيم وحسب ، بل في مجمل القضية ، فمصدر القوة الذي يحرك المبادرات الدولية والإقليمية لايزال يدفع بها نحو الإيجابية خوفا من تصعيد يعرض " إسرائيل " للخطر ، وكل إعتقاد بأن ثمة إمكانية لقيام الإسرائيليين بالتنقيب الأحادي ، وتغطية الأميركيين لذلك ليس الا وهم او تهويل ، لأن الإعتقاد الأميركي والإسرائيلي ، وهو إعتقاد صحيح ، يقوم على النظر لتهديد المقاومة بمنع أي عملية تنقيب أحادية تمس المناطق المتضمنة بالخرائط المعتمدة من الدولة اللبنانية ، وتحذيره لكل شركة تقوم بذلك وكل شركة تأمين تتورط بتغطية العملية .
- ما يجري سيناريو تمهيدي للعودة للتفاوض ، خصوصا ان رئيس الحكومة يسعى للإستعانة برعاية أممية بمكاتب خبرة تتولى التدقيق في مطابقة الخرائط المعتمدة من الأطراف المتفاوضة مع معايير القوانين الدولية ، وورقة قوة لبنان القانونية متينة لمنع كل اجراءات احادية ، وورقة قوته الميدانية التي تمثلها المقاومة أقوى .
2021-09-22 | عدد القراءات 1482