الثقب الأسود في ذاكرة الحاسوب السعودي
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- حسنا فعل وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان بالكشف عن الأسباب الحقيقية للخطوة السعودية التصعيدية ضد لبنان ، لنقل النقاش من المكان السخيف الذي وضعه البعض فيه في الأيام الأولى الى السياسة ، أي حيث هو فعلا ، وحيث يجب ان يكون ، فالقضية ليست قضية تصريح وزير الإعلام ، بل قضية موقف الدولة ومؤسساتها من حزب الله ، بإعتبار انه وفقا للوزير السعودي ، يكفي ان لا تقوم الدولة بإعلان الحرب على حزب الله ليستنتج بأن حزب الله يهيمن على الدولة ، ومفهوم ألا يستطيع الوزير ان يتخيل للبنان مصلحة بحجم إسترضاء السعودية ، وصندوق مالها ، وهو في أزمة خطيرة ، وعلى شفا إنهيار شامل ، والثمن لفتح صندوق المال أمامه هو مواجهة حزب الله ، فماذا تنتظرون ان لم يكن حزب الله مهمينا عليكم ، هكذا ببساطة هي النظرية السعودية ، وهي بجوهرها تقول انه ما دامت الدولة اللبنانينة تتلكأ في القيام بالمهمة فقد قررت السعودية معاقبة لبنان وصولا لإسقاطه ، حتى يرضخ ويلبي الطلب .
- ليس موضوعنا مناقشة تهافت نظرية همينة حزب الله على دولة ، صاحب القرار المالي فيها حاكم المصرف المركزي صديق الرياض وواشنطن وصاحب القرار الأمني فيها مدير عام قوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات ، وصاحب القرار العسكري فيها قائد الجيش ، وكلهم اصدقاء للرياض وواشنطن ، وحزب الله يخوض مواجهة مع مسارقضائي ويعجز قضائيا وحكوميا ، حيث يفترض انه الحاكم ، ووفقا لوصف رئيس حزب القوات اللبنانية ، أن حزب الله وصل الى طريق مسدود قضائيا وحكوميا ، ونعم الهمينة اذا كانت كذلك ، لكن بعيدا عن هذا التهافت ، السؤال هو هل ان المواجهة مع حزب الله هي أمر جديد يحدث الآن دون تاريخ ودون ذاكرة ، حتى ندخل في تحليل الفرضيات ونتساءل عن المسارات ؟
- في اجتماع وزراء المالية لدول قمة العشرين ، في كانون الثاني 2020 وقف وزير المالية الفرنسية برونو لومير كاشفا ان ما يتعرض له لبنان هو خطر إنهيار مالي إقتصادي ، داعيا الى عدم استسهال دفع لبنان نحو السقوط لأن النتائج ستكون أشد قسوة من مساعدة لبنان على التعافي ، مطالبا واشنطن والرياض بفك الإرتباط بين مساعي مساعدة لبنان على التعافي ، ومعاركهما مع طهران وحزب الله ، وأسقط بيد فرنسا يومها وانضمت صاغرة الى الصف الاميركي السعودي في الدفاع عن سياسة الإسقاط ، تحت شعار ، فليسقط لبنان على رأس حزب الله ، وعندما وقع انفجار مرفأ بيروت أعادت فرنسا الكرة بمبادرة الرئيس أمانويل ماركون ، لإقناع شريكيها السعودي والأميركي بنظرية فك الإتشباك وفشلت على مدار سنة ونيف ، حتى إختبر الأميركي منهج التصعيد ومحاذيره ومخاطره ، عندما أطلق حزب الله مسار سفن كسر الحصار ، واستدار الأميركي تفاديا للتصعيد ، وقرر الإفراج عن فرص لبنان بتشكيل الحكومة ، وقرر الإنتقال الى منافسة حزب الله في تخفيف حدة الأزمة ، فاستثنى استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية من عقوبات قانون قيصر ، وبقيت السعودية وحدها ترفض فك الإشتباك ، تواكب النصف الثاني من السياسة الأميركية القائم على محاصرة حزب الله تحت سقف عدم الدفع بالأمور نحو الإنفجار ، كحال المسار القضائي للقاضي بيطار ، والإشتغال لتحضير صيغ مناسبة للتأثير على مسار الإنتخابات القادمة ، لكنها تستثمر على ما تعتقد انه تعبير عن خيار المواجهة المفتوحة ، وهذا هو مكان الرهان على حزب القوات اللبنانية ، الذي فشل في تقديم ما كان يتوقعه منه السعوديون قبل ان يقرروا الدخول مباشرة على الخط ، والسؤال هنا ، أي ثقب أسود في ذاكرة الحاسوب السعودي لتراهن على أن تحقق منفردة ما عجزت عن تحقيقه وهي شريك في حلف تقوده واشنكن ويضم باريس معهما ، وكيف ستتمكن من المضي بمواجهتها دون أن تصطدم بالسقوف الاميركية الفرنسية للحفاظ على الحكومة وعلى الإستقرار من خلالها ، بعدما كانت طليقة اليدين في الماضي ومعها كل زخم الشراكات الكبرى وفشلت ؟
- بعد عام 2006 وحرب تموز ، التي لم تخف السعودية تغطيتها بشعار ، مغامرون سيدفعون ثمن مغامرتهم ، في توصيفها لحزب الله ، لم تسلم السعودية بأن خسارة الحرب نهاية المطاف ، فدفعت بالتناقضات اللبنانية التي كانت تتحكم بإدارتها عبر سيطرتها على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ، نحو خطوات متسارعة للمواجهة ، بدأت بتفجير الحكومة ، مع إحراج وزراء ثنائي حركة أمل وحزب الله لإخراجهم ، ثم استصدار قرارات عن الحكومة تترجم ما تريده السعودية من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اليوم ، وهي تنسى أن هذا حصل سابقا ، واستجابت حكومة السنيورة التي قررت تفكيك شبكة الإتصالات العائدة للمقاومة في 5 ايار 2008 ، واتصل الملك السعودي بالحكومة متحدثا مع اعضائها فردا فردا شاحذا همهم للمواجهة مؤكدا دعم السعودية لهم ، وكانت اميركا والغرب كله مع الموقف السعودي ، ويومها كانت العلاقات السعودية السورية مقطوعة بالمناسبة ، على خلفية الغضب السعودي من معادلة الرئيس السوري بشار الأسد في توصيف مواقف الحكام العرب من الحرب بأشباه الرجال ، ولم تكن هناك حرب تغرق فيها السعودية كحرب اليمن اليوم ، وتورطت احزاب بتمويل سعودي لتنظيم مواجهة مسلحة مع حزب الله ، فماذا كانت النتيجة ، الفشل ثم الفشل ، والإنتقال لأول مرة الى الدوحة بدلا من الطائف او الرياض لتحقيق المصالحة ، واضطرار السعودية بعدها لمصالحة سورية ، وارسال الرئيس سعد الحريري اليها ، ليعتذر عن اتهامها بقتل والده ، فأي ثقب أسود في ذاكرة الحاسوب السعودي لتراهن ان دعوتها اليوم ستلقى اذنا تسمعها ، ولسان حال الحكومة من جرب المجرب كان عقله مخرب ، وقد تمت التجربة في ظروف أفضل بكثير وانتهت بالفشل الذريع ، فكيف لعاقل ان يتوقع لها النجاح في ظروف زادت سوءا وتعقيدا ؟
- الثقوب السوداء كثيرة ، لكن ثمة ثقوب بدأت تصيب الحملة السعودية ، فسقف اميركي لحماية الإستقرار من جنون قد يستبب بنتائج كارثية ، كانت اشاراتها الأولى كافية لإتسدارة الأميركي الى منتصف الطريق ، والأميركي يقول اليوم انه لن يتدخل بالخلاف واضعا الحكومتين اللبنانية والسعودية على مسافة واحدة ، مؤكدا تمسكه بالإستقرار وبالحكومة اللبنانية مخطوط حمراء أمام المغامرة السعودية ، فتبدأ وساطة قطرية ، وأخرى فرنسية ، وقد تورط السعوديون في مغامرة رسمها لهم بوم شؤم ، والمثل يقول الحق البوم يدلك على الخراب !
2021-11-02 | عدد القراءات 1551