عمر أبو عصب والجيل الرابع والقدس
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- أظهرت معركة سيف القدس حقائق جديدة تستحق القراءة بعدما ثبتتها الشهور التي تبعت وقف المواجهة العسكرية ، ليست موازين الردع التي فرضتها عنوانها الوحيد رغم أهميته الفائقة عسكريا وإستراتيجيا ، فالتذكير واجب بأن إنفجار الحرب جاء نتيجة سبب مختلف عن أسباب إنفجار كل الحروب السابقة التي نشبت حول غزة أعوام 2004 و2006 و 2008 و2012 و2014 و2016 و2019 ، وكانت تتصل بالعناوين السياسية المتصلة بالحصار المفروض على غزة ، أو بتداعيات عمليات المقاومة ، أو بنوايا الإحتلال القيام بعملية عسكرية للتخلص من معادلات الردع التي فرضتها المقاومة ، والتي راتفع منسوبها لصالح المقاومة في الحرب الأخيرة ، لكن هذه الحرب دون سواها جاءت نتيجة تداعيات تتصل بأسباب جديدة ، وهي أسباب تتصل بإنفجار المواجهة في القدس بين شباب الجيل الرابع من الفلسطينيين ، بوجه الإحتلال والمستوطنين ، على خلفية مستقبل هوية القدس ومشاريع التهويد ، سواء بعنوان الإخلاءات التي استهدفت أهلها الأصليين ، أو بعنوان توسع كتل الإستيطان التي تلتهم الأراضي العائدة للفلسطينيين ، وصولا لتهديد هوية الأماكن المقدسة .
- لم تبدأ المواجهات الشبابية في القدس بقرار فصائلي ، سواء المنضوين تحت راية المقاومة او المشاركين في السلطة ، بل بدأت على قاعدة قرار ترجمته مجموعات شبابية مستقلة من أبناء القدس والبلدات المحيطة في جوار القدس ، ودعمته على مدى سنوات في توفير الحضور الشعبي للدفاع عن القدس ، وبصورة تصاعدية مجموعات شبابية مشابهة في الأراضي المحتلة عام 1948 ، وكان المحرك الذي يجاهر به المشاركون ينطلق من عاملين ، الأول عدم الثقة بفاعلية وجدوى رهانات السلطة على التدخلات الدولية ، سواء لحماية القدس أو لإنعاش الخيار التفاوضي ، والثاني السعي لجذب إهتمام فصائل المقاومة لتسييل فائض القوة وميزان الردع لحماية القدس ووقف مشاريع التهويد ، ولذلك شهدت شوارع القدس وساحات المسجد الأقصى ، كما البلدات المحيطة بالقدس ، مواجهات تصاعدية ، أظهر خلالها الشباب دورهم الريادي وبسالتهم الإستثنائية ، كما ظهرت خلالها بطولات فردية كانت عمليات الطعن والدهس نموذجها المتكرر ، قدم خلالها هؤلاء الشباب إستشهاديين من نوع جديد ، نفذوا هجماتهم التي انتهت كما يعلمون سلفا باستشهادهم .
- المعادلة الأولى التي باتت غير قابلة للكسر تقول أن حركة الشعب الفلسطيني التي كانت محصورة بالضفة الغربية وغزة ، وكان مستقبل القدس على جدول أعمالها نابع من مكانة القدس في الذاكرة الفلسطينية ، ويخضع لموازين قوى ليس للقدس شراكة في صنعها ، دخل عليه متغير صارت القدس ومن خلفها الأراضي المحتلة عام 48 ، وعبرهما الجماعات الشبابية المستقلة شريكا في صناعته ، من موقع فرض ديناميكية جديدة ، وبصورة متصاعدة وجدت نتائجها في معركة سيف القدس ، ومن جهة موازية تسبب ذلك بتغيير قواعد الصراع ، فعادت للقضية الفلسطينية قواعدها الأصلية التي يمثل مستقبل القدس والأراضي المحتلة عام 48 ركنا رئيسيا فيها ، بعدما كان قبل هذا التحول طي النسيان بالنسبة لمكانة فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48 الذين تم تحويلهم الى عرب "إسرائيل" ورميهم بالتالي خارج المستقبل الفلسطيني ، أو كان موضوع مساومة سلبية فيما بتعلق بالقدس ، بحيث كانت حرارة التمسك بها عرضة للتراجع تحت عناوين مواربة مثل القدس الشريف ، والقدس الكبرى ، فيما الإستيطان ينهش اراضي القدس والتهويد يلتهم الأحياء المقدسية .
- تأتي عملية الشهيد عمر أبو عصب المقدسي أبن الستة عشر عاما لتؤكد ان هذا المسار الجديد غير قابل للتراجع ، وأن الرهان الذي بنى عليه قادة كيان الإحتلال استراتيجياتهم وسياساتهم ، لجهة ظهور أجيال فلسطينية خصوصا في القدس والأراضي المجتلة عام 48 تخرج من الصراع ، قد سقط الى غير رجعة ، ما يعني سقوط الخيار التفاوضي القائم على المعايير التي تراعي الثوابت الإسرائيلية المجمع عليها ، بصورة غير قابلة للإنعاش ، إذا أخذنا بالإعتبار أن زمن القيادات التاريخية في الكيان قد إنتهى هو الآخر الى غير رجعة ، وأن الجيل الرابع من المستوطنين يملك ديناميكية موازية للديناميكية الفلطسينية الشبابية لجهة قرار أخذ المبادرة والإمساك بقواعد اللعبة من يد صناع السياسة ، وأن هذا الجيل المسكون بهاجس القلق الوجودي في ضوء موازين القوى المحيطة بالكيان ، زاد توحشا عن الأجيال التي سبقت ، وان القدس والأراضي المحتلة عام 48 تشكل ساحة المواجهة المفتوحة بين الجيلين المتقابلين من الفلسطينيين والمستوطنين ، وأن قوى المقاومة حسمت خيارها بتشكيل حاضنة للجيل الفلسطيني الصاعد ، بينما تصطف قيادة كيان الإحتلال خلف المستوطنين برضاها او رغما عنها ، وفقا لما تفرضه معادلات الإنتخابات التي يشكل المستوطنون بيضة القبان فيها .
- للمرة الأولى تنطلق ساحة الصراع الرئيسية في المنطقة بقوانين حركة وديناميكيات جديدة ، يكون العامل الإقليمي فيها خاضعا لمعادلات الصراع الأصلية ، وعنوانها الشعب والأرض ، وتبدو السياقات القادمة أشد حرارة مما سبقها ، مهما كانت طبيعة التحولات الجارية في الإقليم ، بما سيفرض على الإقليم إستحقاقات لا يمكن تجاهلها لجهة مكانة فلسطين وتاثيرها ، وتداعيات اي انفجار فيها ، ما دامت قوى المقاومة الفلسطينية وحكومة الإحتلال تتموضعان خلف هذه الديناميكية الجديدة ، وما دامت قوى المقاومة في المنطقة قد حسمت خيارها وفقا لمعادلة السيد حسن نصرالله ، القدس تعادل حربا إقليمية ، ما يجعل هذه الحرب آتية لا ريب فيها ، لكن بشرارة يطلقها المقدسيون وتتسبب بإشعال الحريق الكبير .
2021-11-19 | عدد القراءات 1373