كتب المحرر السياسي:
المسار العكسي لما شهدته المنطقة خلال السنوات الماضية يمكن أن يرسم الاتجاه الذي سيرســو عليه عام 2015، فمسار صعود قطــر كدولة تقف على أكتاف قناة فضائيــة عملاقــة هيّأتها لتصير اللاعب الأبرز على ساحة الشارع العربي، بدأ بالانحسار لمصلحة مسار جديد عنوانه أفول قناة «الجزيرة»، وبطريقة التأديب، وليس الاحتواء والاستيعاب وتغيير السياسات، لإعلان نهاية زمن الإمارة المتطاولة وإعادتها إلى الحجم الذي يتناسب مع مقدراتها المالية وعدد سكانها ومساحتها الجغرافية وقدرتها العسكرية بالقياس لشقيقاتها دول الخليج الذي أشربتهم الكأس المرة تلو الأخرى في زمن الصعود، كما لم تبق لها صاحباً بين الأشقاء غير الخليجيين إلا وجرّبت مشرطها في تشويهه في زمن الصعود الإخواني. وقد جاء وقت الحساب إن لم يكن وقت الانتقام، لكن على يد الشقيقة الكبرى مصر ولحساب الشقيقة الخليجية الأكبر السعودية. ومشكلة التأديب أنه كما الغارات الأميركية على «داعش» وفقاً لوصف وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هاغل، يبقى المستفيــد الأول، هو صاحب الفضل في إظهار خطر الإرهاب في حالة «داعش»، ومن تسبّب بإسقاط الرهان القطري، سورية ورئيسها.
أفول قطر، بداية التشتت الإخواني على رغم الدور التركي الذي يصرّ على الإنكار ويواصل أوهام السلطنة، فقد تمكن الإخوان من التقدم بقوة إلى المسرح بالاستناد إلى عاملين، هوية حركة حماس الإخوانية وهي الفصيل المقاوم الأبرز في فلسطين، إضافة إلى دور قناة «الجزيرة» الفاعل في الشارع العربي، وليس بفعل قوة وحضور تركيا، التي ركبت الموجة واستثمرتها مستفيدة من مكانة حزبها الحاكم في بنية التنظيم العالمي للإخوان، وهي صفر في العداء لـ»إسرائيل» التي يرفرف علم سفارتها في أنقرة، وصفر في الشارع العربي الذي لا يحمل نحوها إلا ذاكرة سوداء.
قطر تنال نصيبها وحماس تبدأ إعادة التموضع في خندقها القديم تحت عنوان، أولوية خيار المقاومة في تحديد التحالفات التي تحدث عنها القيادي محمود الزهار وترجمها في زيارة طهران القيادي محمد نصر، وكشف المدى الذي بلغه كلام رئيس مجلس الشورى الإيرانــي علي لاريجاني بوصفه حماس كحركة مقاومــة الأكبر من الدول، مستخدماً بذات الأوصاف التي استخدمها لدى الحديث عن حزب الله.
المسار العكسي من بوابة أفول قطر وتموضع الإخوان تكملها مسيرة عودة الدول التي قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع سورية خلال السنوات الماضية إلى فتح سفاراتها، فبعد عودة سفير سلطنة عمان التي لم تقفل سفارتها، تعود الكويت إلى فتح السفارة وتعيين سفير وتليها تونس التي على رغم تعرّضها للضغوط من السعودية تحسم أمرها لإرسال سفير جديد إلى دمشق، وهي كانت في زمن الإخوان أول من أقفل سفارة وقطع العلاقات الديبلوماسية مع سورية بين دول العالم، بينما مصر تستعد لتزخيم مهام سفارتها التي يشغلها قائم بالأعمال بسفير جديد أيضاً، وتقرّر إيطاليا واسبانيا وألمانيا إرسال بعثات استطلاعية لدراسة الاحتياجات اللوجيستية والأمنية لسفاراتها في دمشق، وليس بعيداً عنها جميعاً الاستعداد الأميركي لإعادة العلاقات الديبلوماسية مع سورية مع انطلاق الحوار السوري ـ السوري الذي تشتغل عليه موسكو وواشنطن معاً.
لبنان الأشدّ ارتباطاً بالتطورات السورية لا يزال تحت وطأة فلسفة النأي بالنفس، لكن هذه المرة ليس في السلوك نحو ما يجري في سورية بل في فهم واستيعاب ما تتجه نحوه سورية، والمنطقة، فلا من يدري ولا من يحزنون.
لبنان يعيش نشوة الحوار الذي يدرك أنّ أقصى ما يعد به هو التهدئة كما يعيش جمود التفاوض حول العسكريين المخطوفين ويريد أن يصدق في زمن الغموض التفاوضي أنّ ثمة مفاجأة قادمة مع الأعياد.
فعلى الصعيد اللبناني، أرخت الجولة الأولى من الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في عين التينة أول من أمس أجواء مريحة على الساحة السياسية، عكستها المباركة الواسعة له.
وعلم أن الجلسة الثانية ستعقد في الخامس من كانون الثاني المقبل بين وفدي حزب الله المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل ووزير الصناعة حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله، وعن تيار المستقبل مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر وبحضور وزير المال علي حسن خليل.
وأمس أبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري رضاه عن الحوار آملاً بحسب ما نقل عنه زواره لـ«البناء» «في اتساعه لاحقاً». وأكد بري «أن هناك مباركة إيرانية وسعودية للحوار لتحييد لبنان ما أمكن وإبقائه خارج المناخات الإقليمية المعقدة».
وأكد النائب سمير الجسر لـ»البناء» أن الاجتماع الأول كان جدياً واتسم بكثير من الصراحة، ولفت إلى «أننا سنسعى إلى وقف الاحتقان المذهبي والطائفي، الذي سينعكس إيجاباً على الوضع الأمني لا سيما أن الجميع مستشعر الأخطار المحدقة بالبلد». وإذ ذكر بالمواقف الثابتة لكلا الطرفين من الملفات الخلافية المتصلة بالمحكمة الدولية والأزمة السورية وسلاح المقاومة، أشار إلى «أن هذه الملفات سيتم تحييدها، وأننا سنعمل على إيجاد آلية لانتخاب الرئيس من دون الخوض في الأسماء».
واطلع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط من وزير المال علي حسن خليل موفداً من الرئيس بري، ومن نادر الحريري موفداً من الرئيس الحريري، على ما دار في جلسة الحوار الأولى بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة.
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن الحوار هو جزء من الاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو يوقف الشحن والتحريض المذهبي ويخفف من الاحتقان»، موضحاً أن الحوار يهيئ أيضاً «أرضية مناسبة لنكافح جميعاً الإرهاب الذي أصبح خطراً على الجميع، ويعطي الفرصة لحوار صريح وشفاف ومتشعب حول كل القضايا، حيث يمكن أن نصل إلى حلول في بعضها، لكن الحد الأدنى من نتائج الحوار إيجابية مهما كانت».
معايدة وموفد من معراب إلى الرابية
أما على صعيد الحوار بين الرابية ومعراب، فقد برزت خطوة متقدمة في هذا الاتجاه إذ أوفد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مسؤول الإعلام في «القوات» ملحم رياشي مساء أمس إلى الرابية للقاء رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي تلقى اتصال معايدة من جعجع خلال لقائه رياشي بحضور النائب إبراهيم كنعان. وعلم أن عون وجعجع أكدا خلال الاتصال إلى ضرورة التلاقي في بداية العام للحديث عن مواضيع كثيرة وأهمها رئاسة الجمهورية، لكن ترددت معلومات أن اللقاء سيتم قبل نهاية العام الحالي.
تذمر سلام من المسار الحكومي
وفي موازاة الأجواء الحوارية، برز استياء وتململ رئيس الحكومة تمام سلام من أداء بعض مكونات الحكومة التي تحول دون إتمام الحكومة المهام المطلوبة منها. وفي السياق، أشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ»البناء» إلى تذمر سلام من مسار الأمور في مجلس الوزراء، معتبراً أن مبدأ التوافق والإجماع يعوق الحكومة. وشدد على «أن الرئيس سلام يعتبر أن الحكومة تستطيع القيام بهذا الدور لفترة محدودة، لكن إذا استمر الوضع على ما هو عليه ، فإنها لا تستطيع أن تستمر».
ومن بكركي التي زارها مهنئاً البطريرك الماروني بشارة الراعي بالأعياد، اعتبر سلام أنه «لا يمكن الاستمرار من دون رئيس للجمهورية»، لافتاً إلى أن «الوضع غير مريح، والجسم بلا رأس لا يمكن أن يكتمل».
وقال: «لا إنفراجات جدية للبنان طالما هناك شغور في الرئاسة»، مؤكداً أن «هناك معاناة وكل الملفات الأساسية في البلد متوقفة».
وأكد سلام أن «ما نشهده من حوار بين مرجعيتين أساسيتين في البلد لا بد أن يشكل أجواء من الراحة والاطمئنان للبنانيين»، مضيفاً: «طمأنني الرئيس بري أن الجلسة بين تيار المستقبل وحزب الله كانت مريحة جداً ولم يتخللها أي شائبة»، متمنياً أن يساعد الحوار في تحقيق الاستحقاق الرئاسي.
أمنياً، واصلت الجماعات الإرهابية مساء أمس في جرود عرسال محاولات التسلل إلى البلدة عبر واديي أرنب وحميد، فتصدى لها الجيش بنيران المدفعية وأجبر المتسللين على الانكفاء إلى الجرد.
2014-12-25 | عدد القراءات 3909