ما هي بدائل واشنطن وطهران لفشل التفاوض
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- تجاوزت إيران مرحلة الإعراب عن الإمتعاض من الكلام الأميركي المتكرر عن عدم بقاء العرض التفاوضي على الطاولة ، وعن وجود بدائل أميركية عن العودة إلى الإتفاق ، إلى القول علنا بأن إيران ايضا لديها بدائل ، فالقيادة الإيرانية تعتبر الكلام الأميركي إستمرارا لسياسة التهديد التي ترافق الدعوات الأميركية للتفاوض ، وهو ما يعقد طريق التفاوض وفقا للنظرة الإيرانية التي تشترط عودة ندية قائمة على الإحترام المتبادل ، بعيدا عن التلويح بالتهديد ، وتضع طهران العقوبات التي اصدرتها واشنطن بالتزامن مع الدعوات للعودة للإتفاق في خانة المكابرة الأميركية المستمرة ، والعنجهية التي ثبت عقمها في مقاربة القضايا الدولية الشائكة ، وفي طليعتها الملف النووي الإيراني ، الذي تعتقد طهران ان على واشنطن إعتماد سياسة الإعتذار في مقاربته لأن الإنسحاب الأميركي الأحادي من الإتفاق دون اي أعذار في لحظة كانت إيران وفقا لتقارير وكالة الطاقة الذرية او الأمم المتحدة ، في ذروة الإلتزام بموجباتها ، هو المسؤول عن إطاحة الإتفاق الذي وصف بأنه أهم إنجاز للدبلوماسية في القرن الواحد والعشرين .
- وفقا لما يصدر عن المسؤولين الأميركيين خصوصا أمام الكونغرس ومراكز الدراسات ، لا خطة أميركية بديلة عن العودة الى الإتفاق ، فالمبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران روبرت مالي، قال أمس أن الولايات المتحدة لن تجلس مكتوفة الأيدي، إذا بدأت إيران الاقتراب بشدة من صنع قنبلة نووية.وأضاف مالي خلال حديثه للإذاعة الأميركية، أنه "إذا اختارت طهران ألا تعود للاتفاق النووي، فسيتعين علينا بحث مساع أخرى تشمل الدبلوماسية لمواجهة طموحاتها النووية"، والتسليم بغياب البدائل ليس حكرا على الأميركيين بأعلى مراتب إهتمامهم وتعاملهم مع الملف النووي الإيراني ، التي يمثلها مالي كمبعوث رئاسي خاص بهذا الملف يفترض ان تكون بين يديه الخطة والخيارات ، وهو يقول عندها يجب ان نجلس ونفكر ببدائل ، بينما يفترض ان تكون تصريحاته تعبيرا عن هذا التمكن من الأسباب والسياسات ، لكن مثل كلام مالي كان كلام وزير خارجية كيان الإحتلال يائير لابيد قبل ثلاثة شهور معلنا بالتوازي عدم تأييده الاتفاقَ بين الغرب وإيران بشأن برنامجها النووي، لكنه يوضح، في الوقت ذاته، أنه لا يرى خطة بديلة عن هذا الاتفاق .
- تظهر المواقف الإسرائيلية الأخيرة ، بما تضمنته من إعلان عدم إلتزام بما يمكن ان ينجم عن التفاوض من عودة للإتفاق ، والتبشير بفرضية عمل عسكري ضد إيران ، وكأنها نوع من توزيع أدوار أميركي إسرائيلي في الإشارة إلى البدائل ، لجهة اعتماد فرضية ابقاء التهديد الإسرائيلي خارج مظلة الإنضباط الأميركي كعنصر ضغط رادع بوجه إيران ، مع العلم المسبق بمحدودية القدرة الإسرائيلية بدون الدعم الأميركي الكامل ، على القيام بأي عمل عسكري ، والتسليم الموازي بمحدودية ما يستطيعه عمل عسكري أميركي إسرائيلي بالإنفراد أو الإجتماع ، تحت سقف تجنب الحرب الشاملة ، وبالمقابل حجم المخاطر الوجودية بالنسبة لإسرائيل والمصالح الأميركية في المنطقة ، التي يجلبها التفكير بعمل عسكري معرض للإنزلاق الى المواجهة الشاملة ، ولذلك يبقى الكلام عن خطط عسكرية ، سواء أميركية او إسرائيلية أو مشتركة ، سواء في الطريق للإتفاق أو بعد التوصل إليه ، او في حال الفشل التفاوضي ، صالحا كأداوت سياسية مساعدة لما قبل التفاوض ، أكثر مما يصلح لتشكيل بديل جاهز في يد الإدارة الأميركية لفشل التفاوض ، بينما لا تعتبر العقوبات بديلا بإعتبارها الحاضر القائم ، أما العقوبات الأممية فتبقى حلما مضت أيامه ، مع ضبط الإيقاع الإيراني تحت سقف قانوني دقيق ، وحيازته تغطية سياسية روسية صينية ، طالما لم تعلن واشنطن العودة من طرف واحد إلى الإتفاق ، وهذا خيار قانوني متاح للأميركيين دون تفاوض ، لأن الإنسحاب الأميركي تم كذلك ، والقيام بالتالي برفع العقوبات التي ترتبت على الإنسحاب ، وعدنها دعوة الشركاء في الإتفاق لدعوة إيران للتراجع عن خطواتها الواقعة خارج الإتفاق ، تحت طائلة إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي ، وهذا السيناريو في شقه الأول المتعلق بالعودة الأميركية من طرف واحد ، هوبالمناسبة هو مطلب إيراني ، للإستجابة الفورية اللاحقة بالعودة لموجبات الإتفاق على إيران .
- إيران التي تضبط موقفها على قاعدة التفوق القانوني على الموقف الأميركي ، لا تنكر أن حماستها للإتفاق لم تعد كما كانت في الماضي ، فإيران نجحت في إيجاد بدائل للإنتظار في علاقات إقتصادية لا ترتبط بإلغاء العقبات ، وهي باتت تقوم بتصنيع نسبة كبيرة من نفطها الخام ، وتبيعه في الأسواق مشتقات نفطية وكهرباء ومواد بتروكيميائية مصنعة ، وتبيع نفطا وغازا للعديد من الدول رغم العقوبات ، وجاء الإتفاق الإستراتيجي مع الصين ليشكل جوابا كافيا لمرحلة ربع قرن قادم في ظل بقاء العقوبات ، وفوق ذلك فإن إيران إستثمرت على الخروج الأميركي من الإتفاق في بناء تقنيات نووية جديدة وحققت مكاسب تقنية نوعية لا ترغب بالتراجع عنها ، وبالمقارنة بين عامي 2015 و2021 ، في وضعية كل من إيران وحلفائها وأميركا وحلفائها على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والإستراتيجية في كل ساحات ىسيا ، ترى إيران تبدلا إستراتيجيا لصالحها يتيح التحدي ، ويفتح الباب لإستغلال التراجع الأميركي الكبير للمزيد من الضغط على الجروح الأميركية ، خصوصا في ظل تفاهم إيراني روسي صيني على إخراج واشنطن من آىسيا ، بحيث يقول بعض الخبراء الأميركيين ، أن الطريق الوحيد لهزيمة إيران هو في تركها تربح ، لأن ما يجلبه لها البقاء خارج الإتفاق يجعلها أقرب للحظة الإمساك باللحظة الحرجة الإستراتيجية في مواجهات آسيا ، لوضع مستقبل الوجود الأميركي فيها ، ومصير حلفائها وفي طليعتهم "إسرائيل" على المشرحة ، وليس مجرد بلوغ الحظة الحرجة نوويا وحسب .
2021-11-25 | عدد القراءات 1633