ماذا لو فشلت مفاوضات فيينا حول الملف النووي
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- في كل مفاوضات ترتسم الإتجاهات التي تحكم مصيرها بموازين قوى هي غير تلك الموازين التي ترسم اتجاهات الحروب ، فالموازين هنا تبنى على عنصرين رئيسيين يرتبطان بالإجابة عن سؤال ماذا لو فشلت المفاوضات ، الأول هو البدائل التي يملكها كل طرف ومقارنتها من حيث النتائج والكلفة بالقبول بالتسوية التي تكون المفاوضات قد رسمت إطارها قبل قول الكلمة الفصل بالقبول أو الرفض ، والثاني هو التداعيات الموضوعية التي لا يمكن التحكم بها لإعلان فشل التفاوض ، ومقارنة حاصلها الإيجابي و السلبي لبناء ميزان حاصل يحضر في حساب القرار النهائي بالمضي قدما نحو التسوية التي ظهر التفاوض طبيعتها ، أو قبول الخروج للإعلان عن الفشل .
- في البعد الأول المتصل بالبدائل ، يتحدث الطرفان الأميركي والإيراني عن امتلاك بدائل ، لكن الأميركي لا يخفي خشيته من أن تكون البدائل المتاحة لإيران أكثر إغراء لها من المضي قدما بالاتفاق ، الذي يملك جاذبية كبيرة لإيران مصدرها إسترداد الأموال المجمدة وفتح السواق للمتاجرة والتبادل وتحرير العمليات المصرفية من القيود ، وما يعنيه الأمران من عائدات إقتصادية ومالية كبيرة ، ومن فرص إنتعاش وإزدهار وراحة ، وما يرافق كل ذلك من إنفراج سياسي دولي وإقليمي ، ومصدر القلق الأميركي ناتج عن معطيات مجمع عليها لجهة بلوغ إيران مرحلة متقدمة في برنامجها النووي تجعل إنتاج سلاح نووي في دائرة الإنجاز خلال فترة قريبة إذا فشل التفاوض ، وربما تخرج إيران عن تحريم إنتاج السلاح النووي في حال الفشل وتكتفي بتحريم الإستخدام ، على قاعدة اعتبار الإنتاج سلاح ردع لمنع الحروب على إيران ، وعنصر توزان لفرض الاعتراف بحقها ببرنامج نووي في عالم ثبت لها انه لا يفهم الا لغة القوة ، والإغراء الثاني بنظر الأميركيين لتردد إيران في المضي بالتفاوض ، كما أظهر تمهلها ستة شهور لإستئناف جولات التفاوض المتوقفة في فيينا ، هو نجاحها في تخطي الكثير من عناصر الحصار التي فرضتها العقوبات ، سواء بتطوير صناعات نفطية يمكن التملص من العقوبات عليها كالمشتقات النفطية والكهرباء والمنتجات البتروكيماوية ، أو بما ضمنه التفاهم الإستراتيجي مع الصين من مبادلة النفط والغاز بكميات كبيرة وسعر متفق عليه بمشاريع بقيمة 450 مليار دولار لخمسة وعشرين سنة ، تتضمن تجديد كل البنى التحتية وبناء صنتاعات متقدمة ومقتدرة في مجالات متقدمة .
- يقابل هذه القراءة الأميركية لوضعية إيران ، إقرار أميركي بأن البدائل محدودة ، أمام الإدارة الأميركية ، فوصفة العقوبات مستهلكة ومختبرة ولو كانت فعالة وكافية لما كان القرار الأميركي بالعودة للتفاوض على الغاء العقوبات واردا ، خصوصا أمام الإقرار الأميركي بأن إيران طورت برنامجها النووي بأشواط متقدمة في ظل العقوبات ، ونجحت بالتملص من العقوبات وتأمين صادرت تكفي لتأمين حاجاتها من العملات الصعبة ، أما وصفة العمل العسكري والأمني التي يتبناها ويروج لها الإسرائيليون ، فيحكمها بالنسبة للأميركيين قلق ناجم عن خطر الإنزلاق الى حرب لا تريدها واشنطن الخارجة للتو من انهاء اكبر حروبها في المنطقة عبر اعلان الإنسحاب من أفغانستان على قاعدة عدم تحقيق الأهداف خلافا لما اعتادت ، وما هو تحت سقف الحرب يعني استعادة لما سبق واطلقت واشنطن يد تل ابيب في تنفيذه خلال سنوات ما بعد الإنسحاب من الإتفاق ، وشاركت فيه أحيانا ، سواء عمليات تخريب المفاعلات النووية ، أو إغتيال علماء بارزين في الملف النووي ، وصولا لاغتيال قادة كبار في الحرس الثوري كان أبرزهم إغتيال الجنرال قاسم سليماني الذي تولت المخابرات الأميركية مهمة إغتياله مباشرة ، لكن الحصيلة كانت عدم تراجع البرنامج النووي الإيراني الذي تتقاطع التقارير الأميركية والإسرائيلية عند مواصلته للتقدم بسرعة ، وتقدم قوى المقاومة الحليفة لإيران في المنطقة نحو رسم معادلات أشد صعوبة كانت معركة سيف القدس آخر تجلياتها .
- يقول الأميركيون في قراءة ما بعد فشل التفاوض ، أن إيران ستمضي بسرعة نحو انتاج سلاح نووي ولو لم تشهر ذلك ، وأنها ستعزز برامجها الصاروخية الجاهزة للتطوير وتتوجها بتجارب استفزازية مرهقة ، وأن العلاقات الاقتصادية بين إيران وجيرانها ستشهد تحولات نوعية ، قد يكون منها ظهور شبكة نقل كهرباء من ايران الى العراق وسورية ولبنان ، وتأمين خط سكك حديد تنفذه الصين يربط بيروت بظهران عبر دمشق وبغداد ، يرافقه تعاون إيراني روسي في حقول النفط والغاز اللبنانية والسورية ، إضافة لتوسيع نطاق بيع الكهرباء والغاز لباكستان وتركيا ودول آسيا الوسطى ، وتبقى الأولوية لتفعيل اسرع للاتفاق الصيني الإيراني ، لكن التداعيات الناجمة عن اعلان فشل المفاوضات ستكون تصعيدا في كل ملفات المنطقة التي دخلت مرحلة جمود مع انطلاق المفاوضات ، وخصوصا في اليمن وفلسطين ، حيث سيكون الحليفان الرئيسيان لواشنطن في الرياض وتل أبيب أمام تحديات كبيرة في الميدان ، بينما سيتركز الإشتباك في سورية والعراق على خطط إخراج القوات الأميركية عبر استهدافها بعمليات نوعية تحت عنوان المقاومة .
- الخلاصة التي يصل إليها الخبراء الأميركيون هي أن الثمن المطلوب في فيينا ، بالغاء كامل للعقوبات وتحرير امل للأموال الإيرانية ، إذا ضمن التزاما ايرانيا بموجبات الإتفاق ، سيكون صفقة جيدة تستحق المخاطرة .
2021-12-03 | عدد القراءات 1560