الحوار الذي طال إنتظاره بين تيار المستقبل وحزب الله وعقدت جلسته الأولى ليس حوار طرفين بينهما سوء تفاهم أو تباين في القراءة المنطقية للتطورات ، ويمكن تخطيها بالتفاهم على معايير مشتركة لإعادة تقييمها ومقاربتها بقراءة مشتركة جديدة بين الطرفين او بمعونة الوسيط البارع الذي إستضاف الحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا تفيد براعته في مثل هذه الحال ، هكذا لا يكون ما نحن أمامه حوار بالمعنى المتعارف عليه .
تيار المستقبل وحزب الله مختلفان على قضايا وعناوين تنبع من تموضع مختلف لكل منهما على ضفتي الصراع الدائر في المنطقة منذ سنوات طويلة عمرها من عمر الصراع العربي الإسرائيلي ، وظهور من ينادي بتقبل إسرائيل كأمر واقع والتعايش مع هذه الحقيقة بإعتبارها نهائية لا يفيد معها إلا إتقاء شرورها والإستقواء بأميركا لنيل ما يمكن نيلها من الحقوق الضائعة عبر تفاوض يمنح إسرائيل الإعتراف بشرعية وجودها ويطبع العلاقات معها ، وفقا لما ظهر في شكل رسمي عبر مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت العام 2002 ، وليس خافيا أن تيار المستقبل يقف بصورة لا رجعة عنها بمعزل عن الحسابات اللبنانية على هذه الضفة السعودية .
بالمقابل وقبل إنتصار الثورة الإيرانية وظهور حزب الله ثمة ضفة أخرى كانت تتصدرها سوريا و تحولت مع ولادة إتفاقية كامب ديفيد ومن بعدها إتفاقيتي أوسلو ووادي عربة وبعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان وإنتصار الثورة الإيرانية إلى خط إقليمي يستثمر على خيار المقاومة في مواجهة إسرائيل ليصبح مع إنتصارات المقاومة في لبنان خصوصا وفلسطين لاحقا خندقا إقليميا موازيا ومقابلا لخندق عرف بخط الإعتدال .
حزب الله في خندق المقاومة وتيار المستقبل في خندق الإعتدال ، هذه بديهية لدى كل منهما وخيار مؤسس لموقع وموقف ومكانة وفهم كل منهماو تغييرها يعني أن يلغي من يغير في بيديهيته نفسه .
لا يلتقي حزب الله وتيار المستقبل حول صيغة وسط لهذين الخيارين إلا عندما تقوم بين الخندقين اللذين ينتميان إليهما تسوية تقتضي إدارة مشتركة بقدر من الموازين المحسوبة للخصوصية اللبنانينة .
التباين في كل شأن يتصل بالخيارات الكبرى للفريقين نابع من هذا التموضع التكويني المتقابل للفريقين ، بدءا من الموقف تجاه سلاح المقاومة وإنتهاءا بالأزمة في سوريا ومرورا بالنظرة للفتنة المذهبية التي كانت أحد الأسلحة المبرمجة لحصار المقاومة كخيار ، وقد قال هنري برنار ليفي عن الربيع العربي أنه سيفتتح حربا تشبه حروب المئة عام الدينية التي مزقت اوروبا وأنهكتها ويقدم فرصة لبقاء إسرائيل بأمان ، أو كيفية التعامل مع الإرهاب الذي كان إحتياطيا جرت الإستعانة به في الحرب على سوريا من الخندق الذي تقوده السعودية كما قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن .
الحوار الذي بدأ بين فريقين كان احدهما لا ينفك يدعو للحوار ولو من باب تخفيف حدة الإحتقان المذهبي هو حزب الله وفريق يرفض الحوار لأنه يضع لها شروطا على حزب الله تلبيتها ليجالسه مائدة حوار واحدة هو تيار المستقبل وكأنه يقول لتحصلوا على أمان من الفتنة عليكم دفع الثمن من خياراتكم .
لم يتغير شيئ لتتغير قناعات تيار المستقبل ويقبل الحوار بلا تحقيق شروطه وهذا ما حدث تماما يوم تشكيل الحكومة عندما رضي تيار المستقبل بعد شهور من الرفض المشاركة مع حزب الله في حكومة واحدة بلا تلبية شروطه ايضا .
كما حدث يومها رضي تيار المستقبل لأن السعودية و من ورائها أمريكا أرادتا لأن المطلوب تهدئة لا حلول لكنها تهدئة مفتوحة على فرص الحلول .
إنه حوار للمستقبل وتسوياته و ليس حوارا للتفاهم على خلافات الماضي .
2014-12-25 | عدد القراءات 2324