دعوة الرئيس للحوار ما لها وما عليها
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- المناخ السياسي المعقد الذي يعيشه لبنان في ظل عدة انقسامات على عدة جبهات وعدة محاور يمنح الدعوة للحوار التي اطلقها رئيس الجمهورية أهمية خاصة ويجعلها صرورة وطنية ، ذلك أن من يرفض الحوار في لبنان وهو يعترف بالخلافات العميقة مطالب بأن يملك بديلا للحوار ، في ظل معرفة الجميع بأن الإنتخابات كوسيلة لحسم الصراعات في الدول الديمقراطية لا تصح في حال لبنان القائم على الديمقراطية التوافقية ، حيث الأغلبية الحاسمة داخل كل طائفة ستبقى شريكا يحمل حق النقض بإسم الميثاقية التي تشكل حتى تغيير النظام السياسي والدستوري عنصرا من عناصر الديمقراطية التوافقية ، وطالما أن الإنتخابات النيابية التي يراهن البعض على نقل الغالبية فيها من ضفة الى ضفة كما يقول ، لن تلغي امتلاك اي من القوى التي تملك اليوم حق النقض هذا الحق ، بإسم الميثاقية ، وبالتالي لن يكون ممكنا حسم قضايا الخلاف الكبرى عبر الإحتكام لنتائج الإنتخابات ، وسيبقى الحوار هو المدخل الوحيد للوصول الى تسويات حول القضايا الخلافية ، لا حسمها ، وتغيير النظام الى حيث لا وجود للديمقراطية التوافقية ، والميثاقية ، او ثمة حدود ضيقة لكل منهما ، كما هول الحال مع صيغة إنتقالية بشر بها إتفاق الطائف عبر دعوته لصيغة مجلسين للنواب والشيوخ ، واحد من خارج القيد الطائفي وآخر تتمثل به الطوائف وتناط به القضايا التي يحتاج بتهل لنوع من التوافق وتتسم بطابع الميثاقية ، والإنتقال الى هذا النظام لا يتحقق بغير الإحتكام للحوار ، وإلا فإن بديل احلوار هو دعوة غير معلنة للحرب الأهلية ، وهذا ما جربه اللبنانيون لحسم خلافاتهم مرات عديدة ، ووصلوا لقناعة بأن الجميع خاسر في الحرب .
- المشكلة الأولى في دعوة رئيس الجمهورية مبدئة ، وهي بكونها عندما إختارات عناوين للحوار ، إنتقت من العناوين المعلقة وغير المطبقة من بنود إتفاق الطائف ، بندا يمثل حسما للخلاف دون حوار ، وهذا تعقيد كبير في طريق الدعوة ، فإختيار بند اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة كواحد من ثلاثة مواضيع للحوار الوطني ، يتجاوز حقيقة أن اللامركزية كما وردت في إتفاق الطائف جاءت ضمن بنود إصلاحية جوهرية ، ليست اللامركزية فيها الا فرعا من أصل ، والأصل هو وضع خطة مرحلية لإلغاء الطائفية السياسية عبر تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية ، ونقطة الإنطلاق في هذه الخطة الإنتقال الى قانون لإنتخاب للمجلس النيابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس للشيوخ ، لأن وقوع اللامركزية على منطقة وسطى بين مشروع الإصلاح ومشروع التقسيم ، لا يحسم وجهتها ووظيفتها وموقعها ، إلا السير بإتجاه تجاوز الحالة الطائفية ، وإلا صارت اللامركزية في ظل تأجج العصبيات الطائفية ، وقانون إنتخابات يباهي البعض به بصفته قانون ضامن لتمثيل طائفي نقي ، مجرد واجهة لنشوء كانتونات نقية طائفية ، حتى لو بقيت بعض دوائر اللامركزية قائمة على الإختلاط الطائفي ، وستتكفل الكانتونات النقية طائفية بتشكيل قوة جذب تستقوي بمناخ انفلات العصبيات لأخذ البلد نحو المزيد من التشرذم والتشظي وصولا لأحد الأمرين أو كليهما ، الحرب الأهلية أو التقسيم ، ولذلك كان الأمثل في دعوة الرئيس ولا يزال أن تتضمن الدعوة للحوار حول تطبيق ما تبقى من بنود إتفاق الطائف ومن ضمنها تأتي اللامركزية حكما ، لكن في السياق ألإصلاحي الذي نص عليه إتفاق الطائف .
- المشكلة الثانية في دعوة رئيس الجمهورية سياسية ، وهي بكونها من جهة تلي دعوة سابقة قاطعتها علنا قيادات تشكل شريكا حتميا في الحوار الوطني ، ما أجهض الدعوة ، وما دفع للمقاطعة حينها عاملان ، الأول هو خصومتها مع رئيس الجمهورية وإستعدادها للمغامرة بدفع البلاد نحو المزيد من التأزم ، لمجرد إثبات عجز عهد الرئيس على تقديم حلول للأزمات ، وما كان في حسابات هذا البعض وفي عهد الرئيس ثلاث سنوات ، لن يتبدل ولم يتبق من العهد سوى شهور ، ومن جهة ثانية تسبق إنتخابات نيابية يعتقد خصوم العهد أنهم يخوضون حرب تحجيمه وتحجيم تياره فيها ، ولن يقدموا على كسر حدة حملتهم على العهد وإجهاضها بتظهيره مرجعا يلبون دعوته للبحث عن الحلول ، ومن جهة ثالثة تأتي الدعوة في توقيت سياسي عنوانه أزمة إنعقاد إجتماعات مجلس الوزراء وموضوع الأزمة معروف والرئيس طرف فيه وطرفه الآخر رئيس مجلس النواب وحزب الله ، ما يعني أحد أمرين إما إدارة حوار يسبق الدعوة بين الرئيس والفريق المقاطع للحكومة بسبب الخلاف على الملف القضائي في قضية المرفأ ، أو تضمين الموضوع لدعوة الحوار .
- يبقى أن موضوع الإستراتيجية الدفاعية الذي يرافق كل دعوات الحوار الوطني ، يختصر الإنقسام الإقليمي والدولي والداخلي حول سلاح المقاومة ، ولن يحقق الحوار تقدما فيه إلا إذا نضجت مناخات مختلفة دوليا وإقليميا إنعكست على الداخل ، وموضوع التعافي المالي يتكفل به الحوار على طاولة مجلس الوزراء بعد حل الخلاف الذي يعطل اجتماعاته ، بينما يستحق موضوع ملف النازحين السوريين والعلاقة اللبنانية السورية والنظرة لعلاقات لبنان العربية تصدر مواضيع الحوار ، ولعل دعوة رئيس الجمهورية للحوار ، تتحول الى دعوة يحملها موفدون منه ويتلقون عليها الملاحظات والتعديلات ، لتفتح حوارا عاجلا ينهي الأزمة الحكومية ، ويمهد للإنتخابات النيابية ، يليه انعقاد طاولة الحوار الوطني بجدول اعمال معدل يلبي مقتضيات الوفاق من جهة ، والإصلاح السياسي من جهة أخرى ، وفي مقدمها السير نحو الدولة المدنية التي بشر بها الرئيس في كلمته وكان منتظرا أن تحضر في جدول الأعمال ، عبر بند تطبيق البنود الإصلاحية لإتفاق الطائف ، وفي مقدمتها الإنتقال الى نظام المجلسين .
2021-12-29 | عدد القراءات 1356