هل سترد سورية أم تصعد روسيا بوجه "اسرائيل" ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- ينشط خصوم سورية والعلابون على حبال الخلاف بينها وبين حلفائها وخصوصا روسيا وإيران لبث الشكوك ، وتقدم الغارات "الإسرائيلية" على سورية ، ساحة نموذجية لتحقيق هذا الهدف ، فالغارات تتواصل ولا تكاد تتوقف عن معدل غارة في الأسبوع ، وسورية تكتفي بصد الصواريخ بصواريخ مضادة ، وتحقق غالبا نتائج جيدة ، لكن الأثر المعنوي للغارات يبقى جارحا على مستوى الرأي العام السوري خصوصا ، والعربي عموما ، وتظهر المطالبة بالرد وقد تجاوزت مع الغارة الأخيرة على مرفأ اللاذقية كل المرات السابقة ، ومثلها الإنتقادات التي تطال املوقف الروسي ، وتحمله مسؤولية التمادي "الإسرائيلي" ، ويصل البعض لحد إتهام روسيا بالتواطؤ والشراكة ، وليس فقط إغماض العين عن هذه الإعتداءات .
- في مثل هذه القضايا تلعب الحرب على المعنويات دورا هاما ، ولا يكفي فقط قراءة أبعاد العمل العسكري ميدانيا وإستراتيجيا ووضعه في سياق الإطار العام للقيادة العسكرية المعنية في أولويات المواجهات وتخصيص الموارد لها ، ويكفي النظر الى أهداف الغارات "الإسرائيلية" نفسها لمعرفة انها غالبا بمفعول ضئيل من الوجهتين الإستراتيجية ، اي تغيير موازين القوى ووجهة الأحداث ، والتكتيكية أي الحاق الأذى الجسيم بالبنى والهياكل العسكرية والمدنية ، لكن الغارات تستمر للبعد المعنوي سواء في تأكيد التفوق "الإسرائيلي" تجاه الرأي العام المشكك بقدرة قيادته على خوض حروب جديدة ، وتتخذ القيادة "الإسرائيلية " من عدم الرد علامة على موازين القوى التي تحكم علاقتها ، ليس بسورية فحسب ، بل بمحور المقاومة المستهدف عبر هذه الغارات ، تحت عنوان منع تدفق الأسلحة الإيرانية لقوى المقاومة ، ومنع تموضع القوات الإيرانية وقوى المقاومة في المناطق القريبة من حدود الجولان السوري المحتل ، ولو كان هذا الشعار إعلاميا فحسب ، هذا إضافة لزرع الشكوك بما تقوله قيادة المحور عن تفوقها الإستارتيجي على كيان الإحتلال ، وتصريحات قادة المقاومة عن القدرة على محو "إسرائيل" من الوجود ، وصولا لزرع الشكوك بين قوى المحور وروسيا ، أو على الأقل زعزعة يقة جمهور المحور وفي قلبه سورية تجاه مضمون التحالف مع روسيا .
- في العقل البارد لقيادة محور المقاومة وعلى رأسه إيران وفي قلبه سورية ، والقيادة الروسية ، ثقة متينة بالتحالف الذي نجح بتحقيق إنتصارات أحبطت المشروع الأميركي الذي كانت "غسرائيل" في قلبه ، وكان يرمي لإسقاط سورية وتفتيتها وتحويلها الى إمارات ومشيخات ودويلات ومناطق نفوذ ، وثقة بحجم التضحيات التي بذلها أطراف هذا التحالف وبالنتائج التي ترتبت عليه لكل منهم ، وتسليم بخصوصية إدارة العلاقة بالغارات الإسرائيلية ، بين كل من أطرافه ، حيث روسيا ملتزمة بإعادة بناء الدفاعات الجوية لسورية وقد فعلت الكثير في هذا السياق وهو ما تظهره عمليات التصدي للصواريخ بالصواريخ واسقاط الكثير الكثير منها ، وهو ما تكفل بإسقاط أول طائرة "إسرائيلية" في الأجواء السورية قبل أربعة أعوام ، وهو ما يمنع "إسرائيل من دخول الأجواء السورية مجددا منذ ذلك التاريخ ، لكن روسيا التي رسمت دورها في سورية دوليا تحت سقف دعم الدولة الشرعية في مواجهة الجماعات الإرهابية ، ليست مستعدة لتوسيع نطاق التزامها ليطال التحول الى طرف في صراع تاريخي قائم ومستمر بين سورية و"إسرائيل" .
- بالنسبة لمحور المقاومة بلا إستثناء وفي طليعته إيران وفي قلبه حزب الله يبقى سقف الموقف هو ما ترسمه القيادة السورية ، وإحترام جدول أولوياتها ، وفي سورية تبقى الأولوية لمواصلة تحرير الأرض السورية الواقعة خارج نطاق سيطرة الدولة ، بفعل سيطرة الإحتلالين الأميركي والتركي والجماعات التقسيمية أو الإرهابية العاملة في ظلالهما ، وطالما أن الغارات "الإسرائيلية" ذات طابع إعلامي فالدولة السورية ماضية في أولوياتها ، خصوصا أن ذلك يريح العلاقة بينها وبين موسكو التي تشاركها هذا افلتزام ضمن إطار المهمة الأصلية التي جاءت القوات الروسية على أساسها إلى سورية ، وطالما كان ذلك ممكنا ترغب الدولة السورية بعدم الإستجابة لمحاولات استدراجها الى طرق جانبية تربط هذه الخطة .
- الغارة الأخيرة على اللاذقية تختلف عن سابقاتها ، فهي تأتي في ذروة الأزمة الأوكرانية التي تعيشها روسيا في محاولة لتغيير قواعد الإشتباك ، والقول لموسكو أن مدى الحركة "الإسرائيلية" لن يراعي الخطوط الحمر الروسية ، وإلا فإن "إسرائيل" تملك قدرة التنأثير في مسار المواجهة في أوكرانيا عبر جاليات يهودية فاعلة في روسيا وأوكرانيا ، وتستهدف "إسرائيل" من هذا التوسيع لنطاق الحركة ، التأثير على مسار التفاوض الدائر في فيينا حول الملف النووي الإيراني ، عبر السعي لفرض تصعيد عسكري في المنطقة يعقد مسار التفاوض ويضغط على الموقف الأميركي ، ويضعه في زاوية صعبة ، ولذلك كان ذا مغزى ما تضمنه البيان الروسي من إتهام "إسرائيل" بالإحتماء بطائرات روسية كان تحلق في أجواء اللاذقية وتم اختيار التوقيت "الإسرائيلي" بعناية ليتزامن مع هذا التحليق ، وما يارفقه من تعليق عمل الدفاعات الجوية السورية تفاديا لوقوع كارثة شبيهة بالتي حدثت قبل سنوات واسفرت عن اسقاط طائرة روسية بصاروخ سوري .
- الأكيد الآن هو أن التعامل مع هذه الغارة ليس كما قبلها ، وأن الكل ينتظر روسيا لمعرفة طبيعة الإجراءات التي ستتخذها في ضوء البيان الصادر عن وزارة الدفاع الروسية ، خصوصا أن المرة الماضية شهدت موقفا روسيا قاسيا أوقفت خلاله موسكو العلاقات السياسية مع حكومة الإحتلال ، وزودت الجيش السوري بشبكات دفاع جوية حديثة ، وأقفلت الأجواء السورية بوجه الطائرات "الإسرائيلية" في كل مناطق الإنتشار الروسي ، ومنها اللاذقية ودمشق وحمص ، لكن الأكيد أن الموقف الروسي يبقى روسيا ، وأن ردا سوريا منتظرا لن يكون بعيدا ، ومن خلفه كل محور المقاومة ، وأن معادلة الصواريخ مقابل الغارات ستكون على الطاولة لترسم قواعد إشتباك جديدة ، خصوصا أن واشنطن التي أيدت في عهد الرئيس ونالد ترامب ضم الجولان ، لم تنسحب بعد رسميا من هذا التأييد في زمن إدارة الرئيس جو بايدن ، والقرارات الإستيطانية الأخيرة لم يجف حبرها بعد .
- ان غدا لناظره قريب .
2021-12-30 | عدد القراءات 1541