ناصر قنديل
– يطبّل ويزمّر مرتزقة الكاز من الكتبة لمعادلة قوامها، انظروا الى الدول التي تنضوي في محور المقاومة كيف تعاني، وانظروا الى الإمارات والسعودية كيف تعيش في البحبوحة، ثم يقولون انظروا الى إيران وانظروا الى الدول الأوروبية مقابلها، والفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين المثالين، والخلاصة التي يريدها هؤلاء أن أميركا أم الدنيا، وأن الدول العربية التي تسير في فلكها تقف على الضفة الرابحة، وأن الأمر كذلك أيضاً عندما يتصل بالمقارنة بين النماذج غير العربية، من يتحدى السياسات الأميركية ومن يسير في ركابها.
– القول إن هذه المقارنات كلها مزيفة ونوع من الخداع البصري، ليس انحيازاً سياسياً أو عناداً أيديولوجياً، بل دعوة لوضع شروط موضوعية لسلامة المقارنات، والمقارنة قاعدة علمية لاستنتاج الخيارات الأصلح ولذلك يجب تشجيعها، لكن للمقارنات أيضاً قواعد علمية لتأتي بنتائج صحيحة، فكما يُقال في علم الرياضيات، مَن يريد جمع حبتي بطاطا وثلاث حبات تفاح، لن يصل الى نتيجة حسابية لاختلاف النوع، والمقارنة الموضوعية تحتاج نماذج تنطبق عليها وحدة النوع، ولذلك لا يمكن مقارنة السعودية والإمارات وقطر بسورية مثلاً، سواء بعدد السكان أو بحجم الناتج الإجمالي أو بحجم الثروات النفطية، واذا بدأنا بمشروع المقارنة بين نموذجين متقاربين بالحجم والمقدرات، مختلفين بالخيارات، والمقصود من استجاب للضغوط الأميركية والعربية لتغيير السياسات والانضواء تحت عباءة النموذج الذي تقوده واشنطن ومن قرر بالمقابل المضي بالتحدي، فسنجد أمامنا مقابل سورية السودان. والبلدان من دول الأحجام الوسطى بين الدول العربية مع انتاج نفطي متواضع (بين 100 الف برميل و500 ألف برميل يومياً)، وناتج إجمالي متوسط (بين 20 و100 مليار دولار)، والقيادة السودانية ممثلة بالرئيس عمر البشير كانت قريبة من خيار المقاومة وارتضت الانقلاب نحو المحور المقابل تفادياً للأسوأ، فماذا كانت النتيجة مقارنة بسورية التي رفضت؟
– ذهب السودان الى اليمن محارباً تحت القيادة السعودية، وقرر السير بالتطبيع مع كيان الاحتلال، ووضع سياساته الإقليمية والخارجية في السلة الأميركية، حتى قالت الصحف الأميركية إن قرار الإفراج عن رئيس الحكومة عبدالله حمدوك من قبل رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان، تم بوساطة إسرائيلية، فماذا كانت الحصيلة؟
– اذا كان السؤال عن النتيجة المصلحية للنظام، فبالنسبة للنظام السياسي نفسه كانت النتيجة أن الرئيس الذي نفذ ما طلب منه هو اليوم في السجن ومعه أركان حكمه وحزبه، واذا كان السؤال عن النتيجة المتعلقة بتجنيب البلد مخاطر الفوضى والحروب والتمزق والتفكك، فما يشهده السودان منذ سنوات يقول بالعكس، بل تقول الوقائع إن لا أفق مرئياً لمستقبل السودان، ووحدته الترابية، واستقراره الأمني والسياسي. أما إذا كان السؤال بالنسبة للواقع المعيشي للمواطنين السودانيين، فيكفي ما قاله تقرير صندوق النقد الدولي عن تقييم انهيار الوضع الاجتماعي في الدول العربية التي تعيش تحت وطأة الأزمات والمهددة في استقرارها السياسي والأمني، فقال “إن السودان يأتي في المرتبة الأولى ضمن الدول العربية الأكثر ارتفاعاً في أسعار الاستهلاك يليه كل من اليمن وليبيا”.
– مَن يريد مقارنة وضعي كل من سورية والسودان سيجد الكثير من الأرقام والمفارقات، التي توصله للاستنتاج ببساطة أن سورية بألف خير مقارنة بالسودان، وسيقول بضمير مرتاح، حسناً فعلت سورية ومضت بخيار الاستقلال ورفضت الانصياع، فرغم الكلفة العالية، هي تقف على سكة ثبات وخلاص أكيدين.
بالمقابل لمن يضع إيران وفرنسا مثلاً في سياق المقارنة للخداع البصري أيضاً، ينطرح السؤال بقياس وحدة النوع، أليس الأصح هو مقارنة الهند بالصين، لنموذجين لخيارين سياسيين واقتصاديين، بعد الحرب العالمية الثانية، واحد مضى بعناد في الخيار الاستقلالي والآخر قرر مراعاة الهيمنة الأميركية ودخول المساومة معها، وكل منهما ينطلق من مقدرات اقتصاد كبير فوق الـ10 تريليون دولار سنوياً، ومقدرات تقنية عالية وعدد ضخم من الرؤوس النووية، فماذا تقول المقارنة بالخلاصة تقنياً واجتماعياً وخدمياً وبحجم الاقتصاد، والمكانة في السياسة الدولية؟ أليس ما يدور الآن في العالم هو المقارنة بين الصين وأميركا نفسها؟ ولم تعد نماذج التنمية الأميركية التي تسلكها دول أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية والهند موضع مقارنة مع الصين؟
– لمن يريد مقارنة إيران ليقارنها بمصر، فالدولتان بأحجام متقاربة سكانياً وبعائدات متقاربة من النفط والغاز، فأين تقف كل منهما بحجم ناتجها الوطني، وبتطوّرها التقني، ومكانتها السياسية وحجم تأثيرها في اتجاهات الإقليم، وقد سلكت كل منهما نهجاً مختلفاً، فقرّرت إيران الانقلاب على خيار التبعية ومضت بسياسة الاستقلال، وفعلت مصر العكس فانقلبت على تاريخها الاستقلالي مع جمال عبد الناصر واختارت معادلة 99% من أوراق العالم بيد أميركا منذ كامب ديفيد، وبالعودة للخط البيانيّ للناتج المحليّ في كل من البلدين يسهل اكتشاف ان إيران بلغت عام 2011 عشية الثورة في مصر حجم اقتصاد يعادل ثلاث مرات حجم الاقتصاد المصريّ، وأنها عام 2017 كانت تسجل ضعف حجم الاقتصاد المصري، وأنها بعد العقوبات المشدّدة إذا حذفنا صادرات النفط والغاز ودورها في اقتصادات البلدين سنجد أن إيران حافظت على ضعف حجم الاقتصاد المصري، ولا حاجة للتدليل على تفاوت المكانة السياسية والإقليمية لكل من البلدين حتى بالحسابات الأميركية نفسها ناهيك عن التأثير بالملفات الساخنة في المنطقة من فلسطين الى سورية والعراق ولبنان واليمن، والمستويات التقنية التي بلغها كل منهما، بمثال الملف النووي وسواه، أما في التأثير الذي كان لمصر يوم كانت تقود الخيار الاستقلالي فيكفي التذكير بأن خطاباً واحداً لجمال عبد الناصر كان يحرك المنطقة.
– المقارنة منهج علمي للاستدلال، لكن المقارنة علم له شروط فاستدلوا!
2022-01-15 | عدد القراءات 1646