ناصر قنديل
– يقدم الخبراء الماليون في وكالة بلومبرغ المتخصصة بالشؤون المالية، في دراسة حول العملات الرقمية، صورة للوضع في الأسواق المالية للأعوام التي تفصلنا عن عام 2030 قوامه، المزيد من الذوبان لكتلة الاعتماد على الدولار في المدخرات لحساب العملات الرقمية التي يتزايد اللجوء إليها، وفقاً لما تفرضه الاقتصادات الافتراضية التي تتوسع بصورة متوالية هندسية، ولا مصلحة أميركية بالحدّ منها منعا للتضخم لأنها تستوعب الفوائض النقدية من الأسواق، ولا قدرة على الحد منها لأنها فعل سوق صرف ولا تعبر بالمصارف المركزية بل لا تعبر عموماً بالمصارف التجارية ولها منصاتها الخاصة غير الخاضعة للرقابة وغير الممكن إخضاعها للرقابة، ويعتقد خبراء بلومبرغ أن ذلك سيتزامن مع نزوح شركات عالمية كبرى الى العملات الرقمية بحثاً عن ملاقاة روح العصر الرقمي، من جهة، وسيفعل ذلك بعض آخر تهرباً من الملاحقات القانونية من جهة مقابلة، فكل الأسواق المالية التي تشوبها مشاكل قانونية وتحتاج إلى درجات من التوثيق والتدقيق، سواء في التجارات غير المشروعة أو في المشتبه بتورطها بنوع من أنواع غسيل الأموال، ستنزح الى الملاذ الآمن للعملة الرقمية. ومع هذه وتلك ستبدأ الدول التي تراكم فوائض مالية بحجز البعض من احتياطاتها بالعملات الرقمية من باب تعدد أنواع العملة كعنصر للأمان، ويعتقد الخبراء أن مجموع هذه المصادر سيعني تراجعاً في الاعتماد على الدولار بنسبة لا تقلّ عن 30%.
– بالتوازي يتحدث خبراء المصرف الفيدرالي الأميركي، في دراسة عن مخاطر الصعود الصيني وتحدياته، عن تراجع بنسبة مشابهة بين 25 و30% في الاعتماد العالمي على الدولار، بسبب الإفراط الأميركي في استخدام سياسة العقوبات، من جهة، وصعود الاقتصاد الصيني من جهة مقابلة، وسعي الصين لتشكيل تكتل مصرفي ومالي مع روسيا ودول عديدة تتذمر من السطوة الأميركية على الأسواق. ويعتقد هؤلاء الخبراء ان على واشنطن أن تسارع الخطى للتهيؤ للمرحلة الجديدة بالسعي لتنشيط اقتصاد حقيقي يستطيع منع التأثير التضخمي لتراجع الطلب العالمي على الدولار، ويشبه هؤلاء الخبراء وضع الدولار اليوم بوضع الذهب قبل نصف قرن، عندما بدأ الانتقال العالمي من الذهب الى الدولار، والعالم بقوة العولمة التي قادتها واشنطن يدخل العصر الرقمي، الذي تشكل العملات الرقمية أحد مخرجاته، وهذا مسار لا يمكن وقفه، وهو من ارتدادات وتداعيات التطور الذي نادت به أميركا وقادته على مستوى العالم، في إدراك أن سقوط المركزية سيدخل كل مجال بما في ذلك المجالات التي توفر وضعية التفوق للأميركيين، هو العبرة التي يجب أخذها، ليس في مجال العملة فقط، بل في مجالات عديدة، والتيقن من أن أميركا التي كان لها الفضل في قيادة هذا المسار الجديد عالمياً جاء وقتها لتدفع ثمنه، والاستعداد لتقبل نهاية عهدها الذهبي، والتساؤل عما إذا كانت قد احسنت استخدامه تهيؤا لمراحل اشد قسوة وصعوبة.
– في المجال العسكري يتحدث الخبراء العسكريون الأميركيون، في ورش عمل أقيمت خصيصاً تحت عنوان خطر الطائرات المسيرة تحدي القرن الحادي والعشرين، عن تراجع قدرة التدخل العسكري الأميركي بسبب عدم القدرة على الدخول في منافسة الخصوم على تحمل بذل الدماء، وهو ما يفسر به هؤلاء الخبراء خسارة واشنطن لحربيها على العراق وأفغانستان. وهذا التطور من نتاجات العولمة وعوالم الثقافة والقيم التي رافقتها، ومثله دخول الخصخصة على الخدمات العسكرية والأكلاف الهائلة التي باتت تترتب على أي عمل عسكري. وهو أمر يجب أخذه بالحساب عند تقدير الأعباء والعائدات، فأحد أسباب الانسحاب من أفغانستان كان كلفة الحرب يومياً بما يزيد عن ثلاثمئة مليون دولار، بينما كلفة الخصوم لا تقارب نصف هذا الرقم في الشهر، ويتوقف الخبراء أمام عولمة التقنيات وتطور الميكرو تكنولوجيا، وتداخل استخدامات الأنترنت مع الأنشطة العسكرية، ويضربون مثالاً على دور الطائرات المسيرة في إرباك كل الخطط الأميركية العسكرية التي يتولى تنفيذها حلفاء واشنطن سواء في دول الخليج او في “إسرائيل”، ويقولون إن منتجات عابرة للقارات بأحجام لا يلتقطها الرادار المتطور، تحمل المتفجرات، تمثلها الطائرات المسيرة بكلفة لا تزيد عن بضعة آلاف الدولارات للطائرة الواحدة، تشكل سلاح الحرب المقبلة ومواجهة الطائرة التي تكلف بضعة آلاف من الدولارات ستحتاج الى ما يزيد عن عشرة ملايين دولار لضمان اسقاط كل طائرة في الأجواء، وفي حرب قد تتعرّض لها “إسرائيل”، يتوقع خلالها اشتراك مئة الف طائرة من هذا النوع، سيكون ممكناً إسقاط نصفها اذا تم رصد مبلغ تريليون دولار، لكن النصف الباقي سيصل الى أهدافه ويخلّف وراءه الدمار الشامل في المؤسسات والمرافق الحيوية.
– الخبراء الاستراتيجيون الأميركيون متفقون على التشخيص والتقييم لعناصر المشهد ومنقسمون بين من يقول ان الفترة الفاصلة عن عام 2030 هي آخر فرصة لأميركا لخوض آخر حروبها والاستثمار على أشد واقسى العقوبات المالية والمصرفية، لفرض أفضل التسويات، وبين من يقول إن الوقت ينفد من بين أيدي واشنطن وإن الاستعداد لملاقاة مرحلة ما بعد القدرة على خوض الحروب والتحكم بالأسواق، يحتاج إلى أكثر من الوقت المتبقي حتى عام 2030، ولذلك يجب البدء الآن والبداية هي المسارعة للخروج من زمن الحروب والعقوبات بأفضل ما هو متاح اليوم، لأن ما هو ممكن اليوم قد يصبح مستحيلاً غداً.
2022-02-03 | عدد القراءات 1307