رغم أهميّة القضايا المثارة بوجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلا أن البعد القضائي في القضية تحول الى عامل إثارة إعلامي وسياسي غيّب عن النقاش القضايا الأشد خطورة في مسؤولية سلامة عن الانهيار المالي، وفي مقدّمتها إضافة لتغطية مقتضيات عناده على تثبيت سعر الصرف خلال عشر سنوات كان ميزان المدفوعات يترنّح خلالها سلباً، من خلال الإنفاق غير المسؤول لودائع اللبنانيين، وهذا مصدر الفجوة البالغة 69 مليار دولار والمسماة بالخسائر، ومثلها الهندسات المالية التي اشترى عبرها بالودائع مليارات الدولارات من المصارف بأضعاف سعرها المثبت عنده، وبعد بدء الانهيار تسريع بإنفاق الاحتياطي عبر الدعم العشوائي الذي ليس من اختصاصه، والذي يشكل احتكاره من المصرف المركزي سطواً على السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكن هناك ما هو أخطر بكثير.
خلال سنوات مضت وفي ظل قانون منع بيع الذهب اللبناني، المملوك من الدولة اللبنانية، والمودع لدى مصرف لبنان، كان الحاكم يستنسب انتقائياً حسب وضعه المالي، تقييم سعر الذهب واحتسابه في موجودات مصرف لبنان، فكلما كان هناك خسائر في حسابات المصرف كان يُعيد تقييم الذهب على أسعار مرتفعة سجلت خلال العام ويضيف الفوارق كأرباح، وبينما الذهب ملك للدولة، يفترض أن تحتسب قيمته لحساب وزارة المال، كممثل حصريّ للدولة اللبنانية في إدارة ممتلكاتها المالية وماليتها، بقي هذا الأمر ولا يزال خارج نطاق دفاتر وزارة المال، والذي يترتب احتسابه اليوم فوائض عالية في حسابات الدولة.
خلال سنوات الأزمة قام مصرف لبنان بطباعة عشرة أضعاف الكتلة النقدية التي ارتفعت من 5 آلاف مليار ليرة الى أكثر من 50 ألف مليار ليرة، وفيما تحتسب قيمة العملة الجديدة في رصيد وزارة المال أو الخزانة في كل بلاد العالم بما فيها أميركا، يقوم مصرف لبنان استنساباً وانتقائياً باعتبار طباعة النقد وعائداته ضمن حسابات مصرف لبنان، هذا عدا عن كون هذه الطباعة بالكميات التي تتزايد أضعافاً يفترض ان يحتاج الى مراسيم حكومية وقوانين نيابية يختصرها الحاكم بقرار شخصي منفرد.
يكفي أن تضيف وزارة المال على حساباتها دفترياً فارق سعر الذهب، كما عائد طباعة العملة، كي تتوافر للموازنة مصادر ضخمة لتغطية نفقاتها، بدلاً من ترك مصرف لبنان يضع يده عليها ويتحكم عبرها بالاقتصاد والنقد والمال، ويصير حاكماً بأمر البلد.
2022-02-17 | عدد القراءات 2929